رأي

أي لبنان يراد إنقاذه؟

كتب رفيق خوري في صحيفة نداء الوطن.

ليس غريباً أن تتعدّد القراءات اللبنانية في بيان «الخماسية» العربية والدولية الذي صدر بعد إجتماع الدوحة، من حيث لم يصدر بيان عن إجتماعها في باريس من قبل. ولا خارج المألوف ان يعبّر البعض عن خيبة الأمل، بعد البيان كما بعد اللابيان. الغريب ان «الغمغمة» التي نرد بها من زمان على سؤال: أي لبنان نريد، ترافقنا في التهرب من ان نطرح على أنفسنا سؤالاً لا مهرب منه: أي لبنان تسعى «الخماسية» الأميركية والفرنسية والسعودية والمصرية والقطرية لمساعدته على بدء الخروج من أزماته والحؤول دون إنهياره الكامل؟ لبنان المحتاج الى «دولة» بالمعنى الحقيقي ام لبنان الذي يراد له ان يصبح «قضية»؟ لبنان الذي كان يصفه محمد حسنين هيكل بأنه «شرفة العرب الجميلة ومختبر الأفكار ومرصدها»، أم لبنان الساحة والجبهة الأمامية في «محور المقاومة» ضمن وحدة «الساحات» بقيادة ايران؟

حتى من يسأل لماذا لا تكون طهران ضمن المجموعة الباحثة عن رئيس وإصلاحات وحل للبنان، فإن الجواب الذي يسمعه هو أن حسابات «الخماسية» تختلف عن حسابات الجمهورية الإسلامية التي تطلب ثمناً لفتح باب الإستحقاق الرئاسي يخدم مشروعها الإقليمي وسياسة «محور المقاومة».

ذلك ان «محور المقاومة» يعيد إحياء الإستراتيجية العربية التي كانت قائمة عام 1948 وقبله وبعده: الحرب لتحرير فلسطين. العرب عام 1948 ذهبوا الى الحرب بأقل قدر من الحسابات لقوتهم وقوة العدو والمناخ الدولي. في قصر «الشونة» قال رئيس الوزراء اللبناني رياض الصلح للقادة العرب المجتمعين: «سنقاتل ولو بحبات البرتقال». فأخذه الأمير عبد الله الى النافذة وقال له: أنظر يا أخ رياض، ليس على أشجار البرتقال ثمار»، وكانت حتى اعداد الجيوش العربية المشاركة في القتال أقل من ميليشيا الهاغاناه. وكان هناك إتفاق سري بين الأمير عبد الله والبريطانيين واليهود بشخص غولدا مئير حول تقاسم الأرض. وكان وراء إسرائيل البيت الابيض والكرملين وأوروبا.

اليوم مصر والاردن في معاهدات سلام مع اسرائيل. منظمة التحرير في «إتفاق أوسلو». الإمارات العربية والبحرين والمغرب والسودان في «إتفاقات أبراهام». أميركا وروسيا والصين تدعم اسرائيل وتصر على «حل الدولتين». سوريا ولبنان وحدهما من بين دول «الطوق» في اتفاقات جزئية خارج التسوية السياسية التي تتضمن إستعاده الأرض المحتلة. والدول العربية التي رفعت شعار «إزالة آثار العدوان» تخلت عن الخيار العسكري وتقدمت بمبادرة عربية للسلام في قمة بيروت. حتى أيام الحروب، فإن الدول العربية صنّفت لبنان ضمن «الدول المساندة». لكن «محور المقاومة» الذي يطرح اليوم شعار تحرير فلسطين بالقوة يريد من لبنان المأزوم المهترئ ان يكون رأس الحربة.

طهران تقول مباشرة وبألسنة الفصائل المرتبطة بها إن «محور المقاومة» قادر على تحرير فلسطين. واذا كانت هناك قدرة ورغبة، فلماذا التأخير؟ هل نقضي مئة سنة اخرى من التضحيات بلا نتيجة؟ صعوبة الموقف في لبنان وامام «الخماسية» هي الحاجة الى اخراج الوطن الصغير من استراتيجية حرب المئة سنة، وليس فقط من الأزمات.

كلاوزفيتز في كتابه «عن الحرب» يركّز على ثلاثة: «العقل والحظ والشغف». وأخطر ما يحدث هو الرهان على الشغف وحده.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى