أيّ دلالات لتوقيت رسالة ميقاتي إلى غوتيريس؟
كتبت سابين عويس في “النهار”:
في خضم الازمات المستعرة داخلياً وسط مناخات قاتمة تسود الاستحقاقات الدستورية المتمثّلة بانتخاب رئيس جديد للجمهورية وتشكيل حكومة قبل انتهاء الولاية الرئاسية، أعاد الرئيس المكلف نجيب ميقاتي فتح ملف اللاجئين السوريين من باب توجيه رسالة الى الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيريس، استعرض فيها واقع اللاجئين وتفاقم حجم الاعباء الملقاة على كاهل #لبنان نتيجة استمرار هذا الوضع، مجدداً التحذير من انعكاسات النزوح على “الامن المجتمعي واستقرار المجتمعات المضيفة”، فضلاً عن تأثيره على “اهتزاز التركيبة الديموغرافية الحساسة بفعل تجاوز عدد الولادات السورية الولادات اللبنانية (…)”.
خلاصة الرسالة لم تحمل حلولاً أو اقتراحات حلول من شأنها ان تضع حداً لملف بدأ يتفاعل منذ أكثر من عقد من الزمن، بحيث تحوّل اللجوء الموقت الى لجوء دائم يقارب اللجوء الفلسطيني، باختلاف واحد إنما أكثر خطورة وهو ان السوريين لم يتشكلوا في مخيمات بل انخرطوا في شكل كامل في المجتمع اللبناني، وباتوا جزءاً لا يتجزأ من تركيبته. وكان يمكن التسليم بوضع كهذا في ظروف طبيعية وقبول من المجتمع المضيف بكل تلاوينه السياسية والطائفية والاجتماعية، إلا ان الانهيار الاقتصادي والمالي في البلاد يحول دون قدرة هذا المجتمع على تقاسم النزر القليل مما تبقّى من خدمات وبنى تحتية وسلع ومواد.
في اوساط الرئيس المكلف من يقول بأن لا خلفيات وراء توقيت الرسالة، إنما هي تأتي في سياق المواكبة الحكومية لهذا الملف مع الجهة الاممية، من اجل الاستمرار في تسليط الضوء على مخاطره. وتكشف ان الرسالة وُضعت بناء على طلب وزير الخارجية الذي يجد صعوبة في التعامل مع الجهات الدولية لجهة الحصول على المعلومات، وكان يُفترض ان تشكل مراسلة داخلية ولا تُنشر في الاعلام، إلا أنه جرى تسريبها ليلاً ما دفع المكتب الإعلامي لميقاتي الى تعميمها. لكنّ اوساطاً سياسية مراقبة ومتابعة عن قرب لهذا الموضوع لم تجد في رسالة ميقاتي ما يساعد على ابقاء الملف حياً أو مدرجاً ضمن الاولويات الأممية، بل رأت فيها صياغة جيدة وجميلة للأزمة القائمة وتشخيصاً واقعياً جداً لها، لكنها في الواقع لا تخطو أي خطوة الى الأمام نحو وضع الملف على سكة المعالجة، اذ لا يكفي في رأيها، المطالبة بمقاربة جديدة “مختلفة نوعياً في التعاطي مع ازمة النزوح قبل ان تتفاقم الاوضاع وتخرج عن السيطرة، خصوصاً ان بلداً يستضيف هذا العدد الكبير ويتكبد هذه الخسائر لا يستطيع ان يستمر بانتظار حلول سياسية لم تظهر مؤشراتها لتاريخه، مع غياب كامل لدى المجتمع الدولي لأي خريطة طريق واقعية للحل”.
هل رسالة ميقاتي موجهة الى الامم المتحدة فعلاً كما هو ظاهرها، أم انها تحمل في طياتها رسائل داخلية متعددة الوجهة؟
للأوساط المراقبة عينها اسبابها التي تدفعها الى توصيف وجهة رسالة ميقاتي بالداخلية. فهي ترى فيها أولاً استمراراً في تحميل الاسرة الاممية والدولية مسؤولية إيجاد الحلول، بحيث يرفع لبنان الرسمي عنه كامل المسؤولية ليس بالمعالجة او على الأقل اقتراح الحلول، وإنما ايضاً بالانتكاسات الخطيرة التي بدأت تتبلور أوجهها اقتصادياً واجتماعياً وأمنياً، والاخطر ديموغرافياً، بما يهدد الكيان اللبناني وليس اقتصاده فحسب. والحكومة بذلك تقارب النتائج الكارثية المتوقعة على قاعدة “اللّهم اشهد انّي بلّغت”.
لم تحمل الرسالة جديداً باستثناء تجديد التحذير من الاخطار الديموغرافية. أما المضمون فاقتصر على عرض الأزمة وتوصيفها تكراراً وكذلك تسوّل اموال جديدة. وكان لافتاً عدم تقديمها أي مقاربة او رؤية للسياسة العامة التي تنوي الحكومة اعتمادها. ذلك ان الخطة الموضوعة ظلت حبراً على ورق. فلا تهديدات ميقاتي باللجوء الى القوانين اللبنانية سلكت طريقها نحو التنفيذ، ولا البرمجة الشهرية لعودة 15 ألف نازح قد تحققت، ما يؤشر في شكل واضح الى ان النبرة العالية للدولة اللبنانية على مستويي رئاستي الجمهورية والحكومة والوزراء المعنيين لا تنسجم مع الواقع المعاكس تماماً لتلك النبرة، علماً انه للمفارقة ايضاً تختلف نبرة المواقف الإعلامية عما يسمعه السفراء والديبلوماسيون!
وفي رأي الأوساط ان امام لبنان خطوات عديدة يمكنه اللجوء اليها وتعكس جديته في مقاربة الموضوع بمسؤولية، ليس أقلها طلب ادراجه على طاولة المفاوضات الجارية في فيينا.
واذا كانت اوساط ميقاتي تؤكد ان الرسالة جاءت بناء على طلب وزارة الخارجية بسبب المماطلة التي تواجهها في تعاطي المنظمات الدولية المعنية بالملف مع طلب الوزارة المعطيات والمعلومات المتصلة به، فإن الأوساط المراقبة ذاتها لا تقلل اهمية العاملَين الداخليين اللذين يستفيد منهما ميقاتي تحديداً، احدهما موجّه الى “حزب الله”، المعني الاول بمسألة العودة، كونه يسيطر على مناطق مثل القلمون والزبداني والقصير، حيث يمكن تأمين عودة نحو 400 ألف نازح. ويقدم خطاب ميقاتي للحزب بديلاً من حليفه الأساسي رئيس الجمهورية الذي يغادر منصبه بعد بضعة أسابيع. أما العامل الثاني فيستهدف المسيحيين، على نحو يدغدغ مشاعر بكركي ويستدرج تعاطفها حيث يقدم ميقاتي نفسه من موقعه على رأس الطائفة السنية، ممسكاً بهذا الملف من المنطلقات المسيحية، في ما لو تعذّر انتخاب رئيس جديد للجمهورية.