أيّ أبعاد ودلالات في خطاب بري الرئاسي؟

كتب ابراهيم بيرم في “النهار”:
شعار الدعوة الى “رئيس يجمع ولا يفرّق” الذي ورد في الكلمة التي ألقاها رئيس مجلس النواب #نبيه بري في المناسبة الأعز والأكثر رمزية وهي ذكرى اختفاء الامام موسى الصدر وكان “اللمعة الأبرز” في هذا الخطاب في صور، يبدو فضفاضا اذ يمكن عشرات الطامحين لبلوغ قصر بعبدا ان يزعموا انها صفة تتوافر فيهم وشرط ينطبق عليهم، ولكن ان يطلقه رئيس “امل” في مثل المقام والتوقيت بالذات فهو كلام ينطوي على أوجه وأبعاد عدة.
0 seconds of 30 secondsVolume 0%
ثمة اكثر من تفسير اعطاه القارئون لهذه الرؤية الرئاسية التي اطلقها رئيس #السلطة التشريعية في اليوم الأول لبدء سريان المهلة الدستورية لانتخاب رئيس جديد للبلاد خلفاً للرئيس ميشال عون.
الملاحظة الاولى التي يستنتجها هؤلاء انها في الشكل والجوهر تحاكي بل تتقاطع الى حد بعيد مع الدعوة التي اطلقها رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط قبل اسبوعين وكررها في اكثر من اطلالة واعلن فيها صراحة رغبته في رؤية رئيس “غير استفزازي” يلج قصر بعبدا.
وعليه ثمة من سارع الى الاستنتاج ان زعيم المختارة عندما اطلق هذه الدعوة ورفع هذا الشعار كان قد أرسى قواعد تفاهم مبكر عليه مع سيد عين التينة لتتضح بعد وقت غير طويل معالم هذا التفاهم من خلال المواصفات التي اعلنها بري اول من امس والتي يرى ضرورة توافرها في شخص الرئيس المقبل.
وهذا يعني، وفق المصدر عينه، ان بري وجنبلاط قد سبقا غيرهما من القوى والشخصيات الناشطة في هذا المجال ليضعا معا قواعد واسساً ثابتة لمسار استحقاق سياسي هو محط رهان كثر نظراً الى كونه سيحدد معالم مرحلة سياسية مقبلة في اعقاب مرحلة يتفقان فيها معا على توجيه سهام الانتقاد العلني لها كونها مرحلة انهيارات متلاحقة افضت الى خراب مالي واقتصادي وسياسي.
وبمعنى آخر فان الرئيس بري يعلن بكلامه هذا وشروطه الحاسمة تلك انه بالتضامن والتكافل مع حليفه التاريخي انما عادا ليستردا الدور الوازن الذي فقداه عشية الانتخابات الرئاسية الماضية (2016) عندما نجح حليف بري “حزب الله” في لعبة فرض مرشحه (الرئيس عون) رغم اعتراض بري ورفضه الذي بقي على المستوى عينه من الشراسة حتى لحظة اعلان فوز عون.
واللافت في الاطار عينه ان الرئيس بري قد قدم مسوغاته وبراهينه لدعم دعوته تلك (رئيس يجمع) بحملة شرسة على اداء العهد لم تبقِ ولم تذر وحمّلته تبعات كل الخراب. فضلاً عن ذلك، فان الراصدين إياهم اعتبروا ان بري بكلامه هذا وحملته تلك التي اسقطت تلقائيا نوعا من التهادن بينهما يسري منذ اشهر قليلة انما يمارس تصفية حساب بمفعول رجعي ليس مع العهد نفسه الذي ناصبه العداء طوال اعوامه الستة، بل ايضا يوجه ضمنا رسالة انتقاد الى “حزب الله” او يذكّره بانه مازال على اعتراضه الذي كان عليه قبل ستة اعوام لكونه اختار ومضى قدماً في اختياره الى درجة انه وضع نفسه متراسا يصد هجمات مروحة الخصوم عن العهد وسيده.
الرسالة لا تنطوي على جانب الادانة المتأخرة لاداءٍ وتوجهٍ لم يحظيا يوما برضاه فحسب، بل تنطوي ايضا على جانب مضمر فحواه: اتركوا كلمة الفصل لي هذه المرة علّنا ننجح في الوصول الى تسوية توصل رئيسا جامعا للشرائط التي نتحدث عنها حتى لا يسود الفراغ طويلا، لان الكل في ظل موازين القوى الحالية عاجزون عن فرض رئيس من لدنهم، ولكي لا تجري صفقة ما في مكان ما تكون على ظهورنا.
والمفارقة ان بري اعطى في جزء اساسي من خطابه للحزب الكثير مما ينسبه ويدغدغ مشاعره ويبث الطمأنينة، خصوصا في المواجهة التي جعل الحزب رأس الحربة فيها وهي الترسيم للحدود البحرية الى درجة ان بري ذكّر ضمناً بانه شريك وجزء لا يتجزأ من غمار المواجهة.
ومع ذلك، فان السؤال المطروح هو: هل ان بري كان يحتفظ في وجدانه باسم شخصية ما يراها مؤهلة لولوج قصر بعبدا عندما افاض في الحديث عن شرط “الرئيس الذي يجمع ولا يفرّق”، اي على غرار اسم النائب والسياسي المخضرم الراحل جان عبيد الذي كان يُعدّ الى لحظة وفاته مرشح بري الدائم والمفضل؟
الرئيس بري لا شك في انه يعي تماما حجم الدور الذي يمكن ان يؤديه وآل اليه تلقائيا في المهلة الزمنية التي تفصل عن موعد الانتخابات الرئاسية، لذا فانه سبق الحلفاء والخصوم على حد سواء ليضعهم امام امر واقع فيكون سهلا بعدها فتح باب المناورة والمفاضلة ضمن المساحة التي حددها بري وجنبلاط وهي مساحة الرئيس الجامع وغير الاستفزازي.
المقربون من دائرة القرار والعلم عند بري يؤكدون انهم لم يسمعوا الى الان بمرشح مفضل او محسوم عند بري، وهو وإن كان يضمر اسم شخصية بعينها فان التجارب علّمته ألّا يحرق ورقته باكرا وان يتركه الى ربع الساعة الأخير.
ومع ذلك ايضا، ثمة ثابتتان عند بري: الاولى هي ان لا مجال لرئيس حزبي يكرر تجربتين مُرتين بالنسبة اليه هما تجربة الرئيس امين الجميل ومن ثم تجربة الرئيس عون، وان طبيعة التركيبة السياسية والنيابية الحالية “الموزاييكية” ستجعل كل القوى على قدر متساو، وستجعلها ايضا بحاجة اجبارية للدخول في تفاهمات مع بعضهم البعض، ما يعني ان لا مكان لأصحاب الاحلام الجامحة والقدرات الذاتية الحاسمة.
ومن البديهي ان ثمة من يسال: هل بعد المواصفات الرئاسية التي اطلقها بري من مكان لمرشح يعلي رغبته في الوصول الى الرئاسة الاولى وهو سليمان فرنجية حليف بري التاريخي والذي كان اول من استقبله من المرشحين المعلنين؟
لا اجابة حاسمة عند عين التينة، ولكن الثابت ان الامور ما انفكت في بداياتها وثمة دوما فتاوى يمكن الاستناد اليها عند الحاجة.