أين يقف النظام الإيراني من التطورات في العالم؟
صورة كوكوش على غلاف “الحوادث” وأخرى لابنة قاسم سليماني على غلاف “العهد”
كتب علي رضا نوري زاده, في “اندبندنت عربية”:
إيران الجميلة في الستينيات والسبعينيات حتى عام 1979، لم تعد تستهوي القلوب في لبنان واليمن ومسقط وبغداد والقاهرة وطنجة وتحول كل ما مضى إلى حلم.
كانت صحيفة “الحوادث” الصادرة في بيروت وضعت على غلافها صورة المغنية الإيرانية الشهيرة كوكوش، وتصدرت صورتها لافتات في الطريق من بيروت إلى جونيه وكازينو لبنان.
وخلال حفلة في بيروت رافقني إلى الحفل أصدقاء الإمام موسى الصدر التقطت صوراً لكوكوش أثناء الحفل، وكان موسى الصدر يتمنى لو يستطيع حضور الحفل بعيداً من مكانته السياسية والدينية.
كان لبنان المتنوع بطبيعته وثقافته يقيم “مهرجان بعلبك” كل عام على رغم الحرب الأهلية وكان صوت فيروز يصدح في بقايا آثار الرومان “نحن والقمر جيران”.
وكان رجال الاستقلال من كميل شمعون إلى بيار جميل والمفتي حسن خالد وصبري حمادة وكمال جنبلاط والأمير مجيد أرسلان إلى جانب أبنائهم يحترمون بعضهم بعضاً على رغم الحرب.
كان موسى الصدر سمح للأرمن بالبقاء في النبعة ووفر لهم حماية هناك، وكان عدد من الشيعة المقيمين في صيدا يتمتعون بحماية مصطفى سعد أكبر شخصية سنية في الجنوب.
المقاتلون والوطنيون والاشتراكيون ومنتسبو حركة “أمل” ومكتب الحسيني والشيوعيون المنتمون إلى جورج حاوي دخلوا في مواجهات مع كامل الأسعد رئيس البرلمان آنذاك، لكن عندما خطف نجله لم يهدأ جورج حاوي حتى إطلاق سراحه.
وكانت الجامعة الأميركية في بيروت تستقطب أبناء كبار شخصيات المنطقة، وكان الدكتور محمد محمدي على رأس الملحقية الثقافية الإيرانية في بيروت وكان يدرس اللغة الفارسية في جامعة بيروت.
وكان أحمد لواساني يدير صفوفاً للغة الفارسية في الجنوب وساعد شاه إيران بواسطة رئيس وزرائه أسد الله علم في بناء مستشفى ومعهد فني هناك.
قبل عامين من الثورة الإيرانية، استقبل الرئيس اليمني إبراهيم حمدي نائب الأمين العام لرئيس حزب “رستاخير” الإيراني الدكتور محمود جعفريان في مطار صنعاء.
كنت قد رافقته وكان وقتها أيضاً نائباً لرئيس الإذاعة والتلفزيون، لافتتاح التلفزيون الملون في اليمن وكان جميع أعضاء فريقه من الكوادر الفنية والسياسية والاقتصادية والفنية والرياضية تدربوا في المعهد العالي للإذاعة والتلفزيون الإيراني.
وكان أحدهم تزوج فتاة إيرانية في المعهد نفسه وتولى في ما بعد مناصب إدارية عليا في الإذاعة والتلفزيون باليمن.
وفي العهود القديمة كان الملك أنو شيروان الساساني قد أرسل جنوداً بقيادة وهرز لنصرة الأمير سيف بن ذي يزن، وكانوا هزموا أبرهة ملك الحبشة وأعادوا التاج إلى البلاط اليمني.
وبعد 14 قرناً، دفع الشاه الإيراني كلف بناء مستشفى ومؤسسة الإذاعة والتلفزيون وكلف تدريب العاملين فيها وقدم مساعدات اقتصادية وصناعية أخرى وكان كبار رجال الصناعة في بلادنا أرسلوا ممثلين عن القطاعات العامة فيها إلى اليمن.
وقبل عامين من ثورة الخميني، كان الشاه الراحل أنقذ السلطان قابوس من شر الشيوعيين المتمردين في ظفار الذين كانوا تدربوا في موسكو وبكين واليمن الجنوبية، وضمن الجيش الإيراني استقلال عمان.
وفي الليلة التي قصم فيها ظهر المتمردين في هضبات صلالة، نظمت البحرية الإيرانية حفلاً ثقافياً وفنياً. كنت وقتها صحافياً شاباً وبسبب معرفتي للغة العربية، حظيت باهتمام الراحل جعفريان نائب الإذاعة والتلفزيون الإيراني، وشهدت خلال تلك الفترة عظمة إيران ومكانة موسى الصدر والدكتور محمدي ومصطفى تشمران في بيروت، وحللت ضيفاً في دولة اليمن وشاركت في حفل صلالة في عمان.
خلال تلك الأعوام الجميلة، غطيت المؤتمر الوطني في القاهرة، وكان ياسر عرفات يلقي كلمة وفي الأثناء جاء أحد المرافقين وهمس في أذنه يخبره بشيء ما، ثم أعلن عرفات صارخاً مقتل شيخ الجبل كمال جنبلاط.
توجهنا بعدها مباشرة إلى بيروت ومنها إلى عالية إلى قصر كمال بيك.
واستقر جثمانه واثنان من مرافقيه في أحضان الجبل بعد مقتلهم بأوامر حافظ الأسد وكان من ألد أعدائه.
ورفع نجله وليد وأنصار والده والشيخ أبو شقرا شيخ العقل للدروز سيوفهم وتوعدوا بألا يتركوا الأسد. لكن بعد شهرين زار وليد جنبلاط دمشق، إذ قالوا له “سيدمر الأسد عائلتك”، فضغطوا عليه ليصمت وأبلغوه بأن لا تغرّه دعوات أنصاره إلى الانتقام.
الرسالة نفسها بعثها بشار الأسد بعد عقدين من الزمن إلى وليد ليستمر بالصمت، “إذا تهمه حياة نجله تيمور”، وقالوا له إنك لست أكبر من الحريري. فهل رأيت ما حل به؟.
وبعد أعوام حلت فترات مرة ومظلمة في المنطقة وتأثر الملايين من كابول إلى بيروت بالتطرف بوجهيه المتشدد السني والولائي الشيعي. لكن هل يستمر هذا التأثير السلبي لسنوات مقبلة لتسود الرجعية والتخلف والتشدد في المنطقة، أم هناك طريق للخلاص؟.
المنطقة تقع بين نقطتين تاريخيتين حساستين، إحداها تنتهي بالاستبداد الديني المظلم والثانية بالخلاص والحرية. وفي هذه الأثناء يعمل “محور الشر” بصورة غريبة على أساس تفاهم مرعب، في حين أن القوى التحررية والعلمانية (عدا لبنان) وبدلاً من مواجهة التشدد تعمل على إلغاء بعضها بعضاً من الساحة.
تمنى كثير من المفكرين والإصلاحيين الحقيقيين خلال الأعوام الماضية عدم ارتفاع أسعار النفط لأن ذلك يعني رفع إمكانات القمع في جمهورية ولي الفقيه وأن الشعب الإيراني لن يحصل على أي مصلحة من هذه الزيادة.
لقد ثبت اليوم أن صعود أسعار النفط من 60 إلى 70 دولاراً لم يؤدِّ إلى أي تطور لمصلحة الشعب الإيراني، بل أدى إلى ارتفاع غطرسة النظام في الداخل وتدخلاته في الخارج.
الشياطين عثروا على بعضهم بعضاً وبفضل زيادة أسعار النفط، لديهم ما يحرضهم على الهيمنة على الشرق الأوسط.
انظروا إلى العراق، فإن هادي العامري و”قوات بدر” و”الحشد الشعبي” يؤدون التحية للمرشد الإيراني علي خامنئي، لكن المصالح المادية والمعنوية التي يحصلون عليها من خلال التعاون مع أميركا كثيرة إلى حد أنه من المحتمل أننا سنشهد تضعيف انتمائهم إلى طهران وتوجههم إلى التحالف مع “الشيطان الأكبر”.
وفي الأثناء نشهد “جيش المهدي” الذي تشكل بصورة أساسية من المجرمين والشباب المتعصب (من بينهم مجرمون أطلق سراحهم صدام من سجن أبو غريب قبل سقوط نظامه) تحول إلى جيش قوامه 10 آلاف شخص وتدرب أكثر من ثلثي منتسبيه على يد الحرس الثوري و”حزب الله” اللبناني وقوات القدس في العراق وإيران ولبنان.
وتستمر “قوات بدر” والمجلس الأعلى بتلقي الدعم من طهران، في حين أن أواصر العلاقة بين الحكيم والنظام قد ضعفت، خصوصاً بعد سفره إلى واشنطن ولندن ومفاوضاته مع الأميركيين ولقاءاته مع مسؤولي وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي أي) ووزارة الخارجية ومجلس الأمن الوطني الأميركي وبعدها مع البريطانيين.
من جانب آخر، عملت قوات “القدس” على إرسال ممثلين لها إلى المناطق الخاضعة للإرهابيين بالمناطق السنية في العراق، بخاصة بين المنتمين إلى تنظيم “القاعدة” وجماعات الإسلام السياسي وعملوا على تمتين علاقاتهم مع هؤلاء الإرهابيين.
وتتلقى مجموعة “أنصار الإسلام” الدعم من النظام وقد حصل جيش المتطرفين و”القاعدة” في بلاد الرافدين بواسطة نجل بن لادن وسيف العدل على الدولارات الإيرانية.
يمكن ألا يصدق بعضهم أن ولي الفقيه الذي يعتبر نفسه إمام المسلمين يقدم الدعم المادي والعسكري إلى قوى تعتبر الشيعة من الروافض وتعتبر قتلهم أهم من صلاة الليل. لكن يكفي أن تتمعنوا في ما يحدث في أفغانستان، فإن النظام حتى قبل إسقاط حركة “طالبان” استضاف قلب الدين حكمتيار عدو الهزارة والطاجيك وقدم له المساعدات.
وفي لبنان، ينفق النظام بين 700 و900 مليون دولار من رصيد الشعب الإيراني بأوامر من علي خامنئي لـ”حزب الله” اللبناني وتصرف هذه الأموال لتجهيز 20 ألف صاروخ وقنابل وأسلحة ثقيلة وخفيفة، إلى جانب كلف 84 مؤسسة ومركزاً ومستشفى ومعهداً وقواعد عسكرية وحسينيات ومساجد وصحف وقناة تلفزيونية.
وفي فلسطين بعدما أنفق النظام ملايين الدولارات لتأسيس حركة “الجهاد”، ذهبت هذه الأموال مع الرياح، إذ لم تستطِع هذه المجموعة تجنيد أكثر من 200 إلى 300 شخص، لذلك استقر رأي علي خامنئي على حركة “حماس”.
خلال العقود الثلاثة الماضية، استلمت “حماس” 100 مليون دولار سنوياً من النظام على أقل تقدير.
وهذه الأموال أخذت منحى تصاعدياً منذ تأسيس الحركة ووصلت إلى 250 مليون دولار، وكان إسماعيل هنية الرئيس الحقيقي لـ”حماس” حصل على دعم كبير من ولي الفقيه صرف منها لإعادة إعمار غزة.
وتعمل فرق “الحرس الثوري” في الوقت الراهن على تدريب أفراد من “طالبان” ومسلحين في الصومال، وتدرب بعضهم في لبنان على يد “حزب الله” بعد العبور من دمشق.
وفي فنزويلا، حصل اللبنانيون الشيعة المقيمون في كاراكاس والجزر الصغيرة هناك على مساعدات واسعة من النظام، وكذلك يدير “الحرس الثوري” ووزارة الاستخبارات مكاتب في السفارات الإيرانية في الخارج من أجل تبادل المعلومات والمؤامرات.
وفي اليمن، يطلق تلفزيون صنعاء وقناة “المسيرة” شعارات “الله واحد والخميني قائد” و”عبدالملك ابن الولي”. وتحولت صورة إيران من الأخ الأكبر المهتم بمشكلات أصدقائه، إلى صورة كريهة طامعة وعدوة لاستقلال وأخلاق وعادات الجيران.
وفي الوقت الراهن بدلاً من صورة كوكوش على غلاف صحيفة “الحوادث” التي كان يديرها سليم اللوزي الذي مثل النظام السوري بجثته، نرى صحيفة “العهد” تنشر صور ابنة قاسم سليماني، ويلزم وليد جنبلاط وأبناء كبار قادة استقلال لبنان منازلهم ولا توجد آمال لدى الشعب لإنقاذ البلاد.
إيران الجميلة في الستينيات والسبعينيات حتى عام 1979، لم تعُد تستهوي القلوب في لبنان واليمن ومسقط وبغداد والقاهرة وطنجة وتحول كل ما مضى إلى حلم. هذا الحلم يجعل جيلنا والأجيال التي أتت بعدنا تكرر نداء النهوض من أجل بلادنا، وفي حال غير ذلك فلن يبقى أثر من بلد المحبة.