رأي

أين هو الفائض الكبير في أسواق النفط؟

الوضع أفضل مما تحدثت عنه وسائل الإعلام و”وكالة الطاقة الدولية”

كتب أنس بن فيصل الحجي, في اندبندنت عربية:

بدأت حملة إعلامية بتوقعات متشائمة لـ “وكالة الطاقة الدولية” التي تحظى بدعم إعلامي غربي قوي، تقول بوجود فائض كبير في أسواق النفط، إلا أنه مع قرار مجموعة الثمانية في “أوبك” زيادة سقف الإنتاج وإعادة الخفض الطوعي تدريجياً للسوق ابتداء من أبريل (نيسان) الماضي، توقع محللو البنوك والبيوت الاستشارية أن هذه الزيادات سترفع المخزون وتخفض الأسعار بصورة كبيرة.

ألقت الحملة الإعلامية الضخمة التي تقول بوجود فائض كبير في أسواق النفط وارتفاع المخزونات بظلالها على أسعار النفط، ولكن بخلاف توقعات من يقوم بهذه الحملات فلم تنخفض أسعار النفط إلى الثلاثينيات والأربعينيات، وبقيت في أدنى الستينيات، وهذه الحملة تبنتها “وكالة الطاقة الدولية” وكبار البنوك وعدد كبير من المحللين، مدعومين بوسائل إعلام ضخمة مثل “بلومبيرغ” و”رويترز”، وبدا واضحاً أن بعض المحللين خاف أن يشذ عن هذا “الاجماع المصطنع” فوافقهم، وعلى رغم فشل هذه الحملة في تنبؤاتها لكنها ضغطت على أسعار النفط ومنعتها من الارتفاع، ولولا هذه الحملة المصطنعة لكانت أسعار النفط أعلى مما هي عليه بنحو ثلاثة إلى أربعة دولارات للبرميل.

بدأت الحملة بتوقعات متشائمة لـ “وكالة الطاقة الدولية” التي تحظى بدعم إعلامي غربي قوي، إلا أنه مع قرار “مجموعة الثمانية” في “أوبك” زيادة سقف الإنتاج وإعادة الخفض الطوعي تدريجياً للسوق ابتداء من أبريل (نيسان) الماضي، توقع محللو البنوك والبيوت الاستشارية أن هذه الزيادات سترفع المخزون وتخفض الأسعار بصورة كبيرة، وبعدما تبيّن فشل توقعاتهم وبقاء أسعار “برنت” في الستينيات، بدأوا بالحديث عن ارتفاع كبير في كميات النفط المشحونة بالسفن، وكيف أن هذا سيؤدي إلى فائض ضخم وانخفاض كبير في الأسعار، ومع ذلك لم يحصل الفائض حتى الآن.

وضع أسواق النفط
منذ ديسمبر (كانون الأول) الماضي وحتى الآن، ارتفع المعروض العالمي بنحو 4 ملايين برميل يومياً حوالى نصفها من “أوبك+”، ولكن هذه العبارة يجب أن توضع في نطاقها الصحيح، إذ إن معظم الزيادة حصلت في سبتمبر (أيلول) الماضي، وانخفض المعروض في أكتوبر (تشرين الأول) مقارنة بسبتمبر الماضيين، ويتوقع أن يستمر الانخفاض خلال نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري، ومعظم هذه الصادرات جرى استيعابها كواردات حيث اُستهلك معظمها وخُزّن الباقي.

ولكن نظراً إلى اختلاف الوقت بين التصدير ووصول الصادرات إلى الموانئ فهناك زيادة في كمية النفط المحملة في السفن حالياً، وكما ذكرت في مقالة سابقة فإن هناك مبالغة من قبل المحللين ووسائل الإعلام في شأن كمية “النفط على الماء”، وهي كميات النفط الموجودة على السفن، وقد كانت المبالغة في الكميات والأثر، ويمكن إجمالها في ما يلي:

أثر العقوبات
نتج من العقوبات المفروضة على ميناء صيني تحويل السفن إلى موانئ أخرى مما أدى إلى زيادة كميات “النفط على الماء” من دون زيادة المعروض العالمي، بل على العكس فإن كمية النفط في الأسواق انخفضت، كما نتج من العقوبات المفروضة على عدد كبير من السفن أن يصبح عدد السفن الباقية لمن لا يريد مخالفة العقوبات قليل، فارتفعت أجور السفن اليومية لخفض الكُلف، إذ تقوم الشركات باستئجار السفن الكبيرة والتي عادة تستخدم للمسافات الطويلة، وهذا أسهم أيضاً في زيادة كميات النفط على الماء.

أثر إيران
كل ما تذكره وسائل الإعلام، وبخاصة “بلومبيرغ” و”رويترز”، عن صادرات إيران هو ما يمكن مراقبته من خلال شاشات الحواسيب للسفن التي تشغّل أجهزة التتبع، ولهذا دائماً تأتي أرقام وسائل الإعلام أقل من الواقع، ولسبب ما لم يعرف حتى الآن فقد شغّلت كل السفن التي تحمل النفط الإيراني أجهزة التتبع، فظن الصحافيون والمحللون أن هناك زيادة كبيرة في صادرات إيران مع أن هذه السفن موجودة في البحر أصلاً ولكن رأوها الآن، ولهذا فإن هناك مبالغة في كميات النفط على الماء.

أثر صادرات السعودية و”أوبك+”
مع رفع “مجموعة الثمانية” إنتاجها وصادراتها فمن الطبيعي أن تزيد كميات “النفط على الماء”، وبما أن معظم الزيادة جاءت من السعودية بما يتوافق مع قرارات “مجموعة الثمانية” فإنه من المهم معرفة وجهتها، حيث ذهبت معظم الزيادة السعودية إلى مصر لتصديرها إلى أوروبا لاحقاً عبر ميناء “سيدي كريري” وإلى الهند، وكانت المخزونات في هذه المناطق الثلاث منخفضة بصورة كبيرة، وجزء من الطاقة التخزينية تملكه السعودية، وبعبارة أخرى كانت هناك مبالغة من قبل المحللين حول أثر الزيادة في كميات “النفط على الماء”، لأن جزءاً كبيراً من الزيادة هو نقل من خزانات محلية إلى خزانات في دول أخرى.

أثر البرازيل
انخفضت صادرات البرازيل إلا أن صادراتها إلى الصين ارتفعت كثيراً، وهذا يعني أن هناك زيادة في كميات النفط على الماء، ولكن هناك انخفاضاً في المعروض وهو أمر تجاهله المحللون، وبعبارة أخرى فقد حولت البرازيل الصادرات إلى أماكن أبعد، وهذا يعني زيادة كميات النفط على الماء، فمثلاً تحويل الصادرات من الولايات المتحدة إلى الصين يعني زيادة الكميات على الماء، لأن المسافة إلى الصين ثلاثة أضعاف المسافة إلى الولايات المتحدة.

أثر سرعة السفن
تشير بيانات “كبلر” إلى تباطؤ سرعة حاملات النفط إما لخفض الكُلف أو حتى لتصل إلى الموانئ في وقت تكون فيه الخزانات فارغة، وهذا يعني بالضرورة زيادة كميات النفط على الماء من دون أي تغيير في المعروض، وعلى رغم هذه الزيادات لكن المخزونات، في ما عدا الصين، منخفضة حتى في الولايات المتحدة الآن، ومستويات مخزون النفط الخام والبنزين والمقطرات منخفضة بصورة تدعو إلى القلق، وهذه الزيادة في المعروض وعدم وجود فائض حتى الآن تشير إلى أن الطلب العالمي على النفط أعلى بكثير مما تتوقعه “وكالة الطاقة الدولية” ومن حذا حذوها، فهي تتوقع أن ينمو الطلب العالمي على النفط بنحو 700 ألف برميل يومياً في هذا العام والعام المقبل، بينما ترى “أوبك” أن النمو ضِعف ذلك تقريباً، وكل المؤشرات تشير إلى أن توقعات “أوبك” أقرب إلى الصحة من توقعات “وكالة الطاقة الدولية”، ويكفي هنا أن نذكر أن توقعات “وكالة الطاقة الدولية” للطلب على النفط في الولايات المتحدة تعد نحو نصف الطلب الفعلي.

اقرأ المزيد

النفط يصعد على وقع محادثات إنهاء الإغلاق الفيدرالي

النفط يتجه إلى الخسارة الأسبوعية الثانية وسط مخاوف من فائض الإمدادات

أمين عام “أوبك”: النظرة المستقبلية للطلب على النفط لا تزال إيجابية
وخلاصة الأمر أن وضع أسواق النفط أفضل مما تتحدث عنه وسائل الإعلام و”وكالة الطاقة الدولية” التي اشتهرت على مدى أعوام طويلة بأن توقعاتها لنمو الطلب العالمي على النفط دائماً أقل من الواقع، وهذا لا يعني بالضرورة ارتفاع أسعار النفط ولكنه يعني أن أسعار النفط لن تخفض بصورة كبيرة كما يتوقع هؤلاء، وقد يقول قائل إن محللي البنوك تخرجوا في جامعات مرموقة ولديهم خبرات واسعة، فكيف لتوقعاتهم أن تكون خاطئة بهذا الشكل؟

هناك أسباب عدة لتوقعاتهم الخاطئة، ولكن أذكّر القارئ الكريم بأن أكبر مصدر للبيانات التاريخية للطلب والإنتاج والصادرات والواردات وغيرها هي “وكالة الطاقة الدولية”، وثبت الآن باعتراف الوكالة نفسها أن بيانات الطلب التي نشرتها على مدى 18 عاماً كانت أقل من الحقيقة، وهذا يعني أن كل من استخدم بيانات الوكالة كان يستخدم بيانات خاطئة، بما في ذلك البنوك، وبناء على الوضع الحالي فإنه لا يمكن على الإطلاق أن يكون الفائض في عام 2026 هو الأعلى في تاريخ صناعة النفط كما تدعي “الطاقة الدولية”، وعلينا ألا نستغرب أن تتراجع عن هذه التوقعات.

بقيت نقطة أخيرة وهي أنه لا أحد يعرف أبعاد الحظر الذي فرضه ترمب على شركتي “روسنفت” و”لوك أويل”، وعلينا أن ننتظر بضعة أسابيع لمعرفة مآل هذه التطورات، فإذا صحت الأخبار الواردة أثناء كتابة هذه المقالة بتوقف إنتاج حقل “القرنة-2” العراقي الذي تديره شركة “لوك أويل”، فإن هذا سيرفع أسعار النفط فوق النطاق الذي كان يتوقعه كاتب هذه المقالة.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى