أية دلالات تحملها زيارة البرهان لمصر؟
في أول زيارة خارجية له منذ اندلاع الحرب في بلاده منتصف أبريل (نيسان) الماضي، بحث رئيس مجلس السيادة السوداني عبدالفتاح البرهان مع الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في مدينة العلمين الساحلية شمال مصر “تطورات الأوضاع في السودان والجهود الرامية لتسوية الأزمة، على النحو الذي يحافظ على سيادة ووحدة وتماسك الدولة السودانية ويصون مصالح الشعب السوداني وتطلعاته نحو المستقبل”.
وشهدت المحادثات التي ضمت من الجانب السوداني كلاً من وزير الخارجية المكلف السفير علي الصادق، ومدير جهاز المخابرات العامة الفريق أول أحمد إبراهيم مفضل، والمدير العام لمنظومة الصناعات الدفاعية الفريق أول ميرغني إدريس سليمان، ومن الجانب المصري وزير الخارجية سامح شكري ومدير المخابرات العامة اللواء عباس كامل، “مناقشة سبل التعاون والتنسيق لدعم الشعب السوداني، لا سيما من طريق المساعدات الإنسانية والإغاثية حتى يتجاوز السودان الأزمة الراهنة”، في وقت أكد فيه الرئيس المصري موقف بلاده الثابت “بالوقوف إلى جانب السودان ودعم أمنه واستقراره ووحدة وسلامة أراضيه، بخاصة خلال الظروف الدقيقة الراهنة التي يمر بها، آخذاً في الاعتبار الروابط الأزلية والمصلحة الاستراتيجية المشتركة التي تجمع البلدين”، وفق ما جاء في بيان رئاسة الجمهورية المصرية.
وجاءت زيارة البرهان إلى مصر، غداة زيارة داخلية إلى مدينة بورتسودان تعد الثانية له خارج العاصمة الخرطوم منذ اندلاع الحرب، وسبقها بأيام ظهور مفاجئ له وهو يتجول في قاعدتين عسكريتين في أم درمان غرب الخرطوم، وهي واقعة نادرة منذ بدء الحرب، فضلاً عن حديثه مع مدنيين يجلسون عند إحدى بائعات القهوة والشاي في صباح اليوم ذاته.
بحث تطورات الأزمة
ووفق ما أعلنه المتحدث باسم رئاسة الجمهورية المصرية فإن محادثات الرئيس السيسي ورئيس مجلس السيادة شهدت استعراض تطورات الأوضاع في السودان والتشاور حول الجهود الرامية إلى تسوية الأزمة حفاظاً على سلامة وأمن السودان، على النحو الذي يحافظ على سيادة ووحدة وتماسك الدولة ويصون مصالح الشعب السوداني وتطلعاته نحو المستقبل، مضيفاً أنه تناول كذلك تطورات مسار دول الجوار، إذ رحب البرهان بهذا المسار الذي انعقدت قمته الأولى أخيراً في مصر.
كما تطرقت المحادثات إلى مناقشة سبل التعاون والتنسيق لدعم الشعب السوداني الشقيق من طريق المساعدات الإنسانية والإغاثية حتى يتجاوز الأزمة الراهنة بسلام.
وقالت الرئاسة المصرية في بيانها إن الرئيس السيسي أكد خلال اللقاء اعتزاز مصر الكبير بما يربطها بالسودان على المستويين الرسمي والشعبي من أواصر تاريخية وعلاقات ثنائية عميقة، مؤكداً موقف مصر الثابت والراسخ بالوقوف إلى جانب السودان ودعم أمنه واستقراره ووحدة وسلامة أراضيه، بخاصة خلال الظروف الدقيقة الراهنة التي يمر بها، آخذاً في الاعتبار الروابط الأزلية والمصلحة الاستراتيجية المشتركة التي تجمع بين البلدين.
من جانبه أعرب الفريق البرهان عن تقديره البالغ للعلاقات الأخوية المتينة بين البلدين الشقيقين، مشيداً بالمساندة المصرية للحفاظ على سلامة واستقرار السودان في ظل المنعطف التاريخي الذي يمر به من خلال حسن استقبال المواطنين السودانيين بمصر، ومعرباً في هذا الإطار عن تقدير بلاده للدور الفاعل لمصر في المنطقة والقارة الأفريقية.
وكان بيان سابق لمجلس السيادة في السودان أشار الى أن الزيارة تهدف الى إجراء “محادثات مع السيسي تتناول تطورات الأوضاع في السودان والعلاقات الثنائية بين البلدين”.
“لا نسعى إلى الاستمرار في الحكم”
وخلال تصريحات إعلامية مقتضبه عقب محادثاته مع الرئيس المصري، قال البرهان إن “القوات المسلحة لا تسعى إلى الاستمرار في حكم السودان”، مشدداً على سعيه إلى “إقامة نظام ديمقراطي وإجراء انتخابات حرة ونزيهة يقرر فيها الشعب السوداني ما يشاء”، على حد وصفه.
وتابع قائد الجيش السوداني قائلاً “أطمئن كل أصدقاء السودان بأننا نسعى إلى تحول ديمقراطي ولا نطمع في الحكم”، معتبراً أن الجيش يواجه “جماعات متمردة ارتكبت جرائم حرب من أجل الاستيلاء على السلطة”، مضيفاً، “شرحنا للقيادة المصرية تطورات الأوضاع ونثمن موقف القاهرة في شأن استقبال اللاجئين السودانيين”.
وبحسب البرهان فإن الحرب في بلاده بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو “كانت بسبب محاولة مجموعة متمردة السيطرة على السلطة، ونسعى إلى وضع حد للحرب وإنهاء المأساة الحالية”، نافياً في الوقت ذاته الاتهامات بالتعاون مع النظام السوداني السابق أو إيواء الجيش لعناصر إسلامية أو إرهابية، معتبراً تلك الاتهامات “فزاعة يستعين بها كل من يريد أن يستأسد على الشعب السوداني”.
ووفق البرهان فإن القوات المسلحة “ملتزمة بالسعي إلى فترة انتقالية حقيقية”، مشيراً إلى حرصه خلال المحادثات على وضع القيادة المصرية في الصورة الصحيحة.
وأضاف، “نطلب من العالم أن ينظر إلى الحرب في السودان نظرة موضوعية”، مشدداً على أن الجيش السوداني يسعى إلى “وضع حد للحرب وإنهاء المأساة الحالية”.
وتأتي جولة البرهان الخارجية الأولى غداة زيارته مدينة بورتسودان بعد تفقده للمرة الأولى منذ بدء الحرب عدداً من المناطق خارج الخرطوم، بعدما لازم لمدة أربعة أشهر مقر قيادته الذي كان يتعرض لحصار وهجمات متتالية من قوات الدعم السريع.
وخلال زيارته بورتسودان التي بقيت بمنأى عن الحرب حتى الآن، استبعد البرهان أية فرصة للمفاوضات، وقال للجنود وصحافيين في قاعدة فلامنغو البحرية إن “المجال ليس مجال الكلام الآن، ونحن نكرس كل وقتنا وجهدنا في الحرب لإنهاء هذا التمرد”، في إشارة إلى قوات الدعم السريع وقائدها محمد حمدان دقلو الذي كان نائباً للبرهان في مجلس السيادة قبل الحرب.
وجاءت تصريحات البرهان تلك بعدما أطلقت قوات الدعم السريع مبادرة لإحياء الجهود الرامية إلى إجراء محادثات مباشرة بين طرفي الصراع، ووضعت فيها 10 مبادئ لإنهاء النزاع، وطالبت بنظام حكم ديمقراطي مدني وتأسيس نظام فيدرالي وإنهاء العنف وتأسيس جيش مهني جديد ينأى عن السياسة ويخضع لسيطرة المدنيين.
دلالات وتوقيت الزيارة
وبحسب مراقبين تحدثوا إلى “اندبندنت عربية” فإن توقيت زيارة البرهان للخارج يبعث برسائل عدة على المستويات الداخلية والخارجية للسودان، في وقت تدخل فيه الحرب أسبوعها الـ 20 من دون إعلان أي طرف النصر، بينما أُجبر الملايين على ترك منازلهم في العاصمة ومدن أخرى.
وحذرت الأمم المتحدة من “كارثة إنسانية لها أبعاد هائلة مع تزايد الجوع وانهيار الرعاية الصحية وتدمير البنية التحتية، ويقول المحلل العسكري المصري والمتخصص في شؤون الأمن القومي والعلاقات الخارجية اللواء محمد عبدالواحد، إن “ما بين تحركات البرهان الداخلية الأخيرة والخارجية ورؤية حميدتي في شأن الصراع تباينات ورسائل ودلائل كثيرة تشير إلى ترتيبات على المستوى الدولي والإقليمي لبداية تسوية ما للصراع”.
وأوضح عبدالواحد أن “البرهان يسعى من خلال جولته الخارجية إلى التأكيد على مجموعة من الأهداف، أولها فصل المسار السياسي عن العسكري، إذ إنه منذ بداية الحرب والقوات المسلحة السودانية منكفئة على العمل العسكري فقط من دون العمل السياسي، بحكم إدارتها للسلطة في البلاد والتأكيد على هذه السلطة والشرعية، وأن التحركات الخارجية قاصرة على مجلس السيادة وممثليه”.
وتابع، “يسعي البرهان كذلك إلى محاولة تصحيح بعض السرديات الإعلامية المنتشرة من وجهة نظره والتي ترى الدعم السريع طرفاً في الحرب في مواجهة المؤسسة العسكرية، وهو من وجهة نظر البرهان لا يصب في مصلحة المرجعية السياسية الرئيسة للدولة في الوقت الراهن وهي مجلس السيادة، فضلاً عن تصحيح بعض الروايات حول ارتباط القوات المسلحة بالنظام السابق في البلاد أو إيوائه جماعات إسلامية ومتطرفة”، مشيراً إلى أن قدومه من بورتسودان يعكس تحول المدينة والواقع شرق البلاد لتحولها موقتاً إلى العاصمة السياسية بعد استمرار احتدام المعارك في الخرطوم”.
وكانت مدينة بورتسودان الساحلية تحولت إلى عاصمة إدارية موقتة للبلاد، إذ يوجد فيها معظم الوزراء ونائب رئيس مجلس السيادة مالك عقار وعضو المجلس الفريق إبراهيم جابر، كما يوجد فيها أكثر من 10 سفراء دول عربية وأجنبية، وتعتزم سفارات فتح قنصليات في المدينة لمزاولة أعمالها، كما انتقلت إلى المدينة معظم مكاتب منظمات الأمم المتحدة ورئاسة البعثة الأممية في السودان (يونيتامس).
ووفق عبدالواحد فإن بداية الجولة الخارجية من القاهرة تعكس إيمان البرهان “بمصيرية العلاقات التي تربط البلدين، واعتبار كل منهما الآخر امتداداً للأمن القومي”، مرجحاً التوصل إلى تسوية ما للأزمة على المدى المنظور”.
من جانبه قال نائب رئيس المجلس المصري للشؤون الأفريقية السفير صلاح حليمة إن الزيارة تأتي في إطار التعاون والتنسيق بين البلدين ومبادرة دول الجوار التي قادتها القاهرة لحل الأزمة السودانية ومعالجتها عبر أربعة مسارات، موضحاً أنها تدعم كذلك الخطوات العملية لعلاج الأزمة والتي تبدأ بوقف إطلاق النار وخروج القوات المتمردة من العاصمة، وتوحيد المؤسسة العسكرية في البلاد مع تأكيد وحدة وسلامة الأراضي السودانية، ومناقشة المرحلة الانتقالية بما يسهم في انتقال السلطة لحكومة مدنية تمضي نحو إجراء انتخابات.
وكانت مصر استضافت في يوليو (تموز) الماضي قمة دول جوار السودان لبحث سبل إنهاء الصراع العسكري، إذ دعت الدول المشاركة الأطراف المتحاربة إلى وقف التصعيد والالتزام بالوقف الفوري والمستدام لإطلاق النار في سبيل إنهاء الحرب، مع التأكيد على الاحترام الكامل لسيادة السودان ووحدة أراضيه وعدم التدخل في شؤونه الداخلية، والتعامل مع الصراع باعتباره شأناً داخلياً مما يدعو إلى عدم تدخل أي أطراف خارجية، باعتباره عاملاً يؤدي إلى إطالة أمد الحرب.
كذلك استضافت القاهرة في الشهر ذاته اجتماعاً لقوى إعلان الحرية والتغيير هو الأول منذ اندلاع الحرب، لمناقشة “بناء جبهة وطنية عريضة لإنهاء الحرب الدائرة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، وحشد الجهود الوطنية والإقليمية والدولية وإعادة إعمار ما دمرته الحرب”.
وبحسب حليمة فإنه على مدى عمر الأزمة طرحت القاهرة في أكثر من مناسبة القيام بدور وسيط مع جنوب السودان قبل أن يتطور الأمر إلى مسار “دول الجوار” لحلحة الأزمة السودانية في ضوء هذه الرؤية، وإيجاد حلول واقعية للحرب تأكد على مبادئ وحدة وسلامة الأراضي السودانية وعدم التدخل الخارجي في شؤونه الداخلية.
وأثمرت وساطات سعودية – أميركية خلال الأشهر الماضية اتفاقات عدة لوقف إطلاق النار لكنها لم تصمد، كما قادت الهيئة الحكومية للتنمية في شرق أفريقيا (إيغاد) مبادرة إقليمية لم تثمر أيضاً.
وأسفرت الحرب منذ اندلاعها عن مقتل نحو 5 آلاف شخص وفق منظمة “أكليد” غير الحكومية، لكن الحصيلة الفعلية مرشحة لأن تكون أكبر لأن كثيراً من مناطق البلاد معزولة تماماً، وليس في الإمكان التنقل ومعاينة الوضع على الأرض، فضلاً عن رفض الجانبين الإبلاغ عن خسائرهما، كما أُجبر الصراع أكثر من 4.6 مليون شخص على الفرار، وفق إحصاءات الأمم المتحدة.