رأي

أوهام صهيونية… وأحلام عبثية

تعتمد الأكذوبة الإسرائيلية على أساطير تلمودية لم يتأكد معها الحق أبداً

كتب مصطفى الفقي, في اندبندنت عربية:

قد تكون أحداث السابع من أكتوبر 2023 هي السبب المباشر لموجة العنف والتطرف التي نشهدها حالياً، ولكنها بالقطع ليست السبب الوحيد في ذلك، فإسرائيل كانت تبحث عن تكئة تبرر لها الدخول في ذلك المخطط الخبيث الذي يستهدف القضاء على الطرح الدولي المتصل بالقضية الفلسطينية وقبول حل الدولتين بما يعني قيام دولة فلسطينية مستقلة مما يؤرق الإسرائيليين ويبدو هدماً مباشراً لأحلامهم التوسعية غير الشرعية وأفكارهم التي تنطلق من فراغ.

“دولتك يا إسرائيل من الفرات إلى النيل” ليست هذه عبارة جديدة، بل قد ترددت منذ عدة عقود عندما تحدث غلاة الصهاينة عن مشروع الدولة اليهودية في فلسطين وامتداداتها لتشمل معظم مناطق الشرق الأوسط بحيث نكتشف في النهاية أننا أمام إمبراطورية يهودية بديلاً للدولة العربية الواحدة أو الكيان الإسلامي العربي المستقل.

أود أن أشدد في البداية على أن دولة إسرائيل المسيطرة على الأراضي المقدسة ليست بحال من الأحوال وعداً إلهياً كما يزعم غلاة اليهود منذ انعقاد مؤتمر بازل بجهود تيودور هرتزل ورفاقه من الآباء المؤسسين للحركة الصهيونية الحديثة، كما عرفناها قبل قيام دولة إسرائيل وبعد إعلانها باعتراف دول وقع أصحابها ضحية مفاهيم مغلوطة بدءاً من الوعود الدينية وصولاً إلى وعد بلفور الذي أعطى فيه من لا يملك ما لا يستحق على حد التعبير الشائع في حينه.

وأود أن أسجل هنا عدداً من الملاحظات المرتبطة بهذا الطرح العبثي الذي تردده إسرائيل ومتطرفوها الجدد وعلى رأسهم بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء وداعية العنف وزعيم التشدد وراعي التطرف الديني واليمني على نحو غير مسبوق، هذه الملاحظات هي:

أولاً: قد تكون أحداث السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 هي السبب المباشر لموجة العنف والتطرف التي نشهدها حالياً، ولكنها بالقطع ليست السبب الوحيد في ذلك، فإسرائيل كانت تبحث عن تكئة تبرر لها الدخول في ذلك المخطط الخبيث الذي يستهدف القضاء على الطرح الدولي المتصل بالقضية الفلسطينية وقبول حل الدولتين بما يعني قيام دولة فلسطينية مستقلة مما يؤرق الإسرائيليين ويبدو هدماً مباشراً لأحلامهم التوسعية غير الشرعية وأفكارهم التي تنطلق من فراغ.

ولعلنا نتذكر الآن ذلك المشهد الذي يثير السخرية عندما قام نتنياهو من فوق منبر الأمم المتحدة بالحديث عن شرق أوسط جديد بحدود مختلفة وخريطة جديدة تعكس الواقع على الأرض، مؤكداً أن حدود الدول في تلك المنطقة ليست خطوطاً مقدسة ولكنها مشروعات تاريخية قابلة للتغيير والتعديل، وعلى رغم رد الفعل العربي والإسلامي لذلك الحديث الغوغائي الذي لا سند له تاريخياً أو فكرياً إلا أن نتنياهو ظل يروج لذلك الوهم، والتقط ما قامت به حركة “حماس” في السابع من أكتوبر 2023 لكي يخلق منه مبرراً على النهج نفسه الذي خلقت به الولايات المتحدة الأميركية واقعاً دولياً مختلفاً بعد الـ11 من سبتمبر (أيلول) 2011 وتحطيم برجي التجارة العالميين في نيويورك بفعل إرهابي مرفوض، ولكنه يسمح بالانطلاق نحو مشاهد جديدة لم تكن موجودة من قبل ولكن نتائجه هائلة.

ثانياً: تعتمد الأكذوبة الإسرائيلية على أساطير تلمودية لم يتأكد معها الحق أبداً، فضلاً عن أنها أفكار نقلية مرتبطة بدعاوى جرى توظيفها لخدمة أهداف الحركة الصهيونية التي لا يتجاوز عمرها قرن ونصف القرن من الزمان والتي وجدت في الدول الغربية والمؤسسات الاقتصادية الأميركية داعماً قوياً إيماناً منهم جميعاً بأن وجود إسرائيل هو خدمة كبرى لأهداف تلك الدول ومصالحها في الشرق الأوسط مهبط الديانات السماوية وسبيل الطرق التجارية ومركز العالم القديم الذي تطل عليه قارات آسيا وأفريقيا وأوروبا ويبدو البحر الأبيض المتوسط بحيرة حضارات مغلق لذلك الكيان الجغرافي الفريد.

ثالثاً: ربما تكون اللحظة الحالية مواتية تماماً لترويج هذه الأفكار الخبيثة ونشر تلك البضاعة الرديئة، فالسيد القابع في البيت الأبيض الأميركي هو من المؤمنين بذلك دينياً وسياسياً، كما أن الظروف الدولية والأوضاع الإقليمية مواتية تماماً لتحقيق ذلك الذي تسعى إسرائيل للوصول إليه، ولا يخلو الأمر في ذهني من عداء خافت للأمة الإسلامية والشعوب العربية والقارة الأفريقية، فغلاة الداعمين للحركة الصهيونية لا يبتعدون كثيراً عن أولئك الذين يتحركون ضد بعض الأجناس والقوميات والديانات، فالعنصرية وخطاب الكراهية والعداء العميق للشرق الإسلامي لا تزال أمراضاً قابعة في العقل الغربي، تتعامل معه وتؤثر فيه وتغذي نزعاته العدوانية التوسعية الاستيطانية.

رابعاً: دعنا نعترف أن الشرق الأوسط يمر في هذه المرحلة بفترة من أصعب الفترات، ولا يبدو متماسكاً بالقدر المطلوب، بل وأضيف إلى ذلك أنه يتراجع على الساحة الدولية والإقليمية بصورة ملحوظة، فالحرب الإسرائيلية الإيرانية قد دقت ناقوس الخطر لمواجهة طويلة ترتبط بالمشروع النووي لطهران ومخاوف إسرائيل الدائمة من قيامه، كما أنه لا يخفى علينا جميعاً أن إسرائيل قد حققت في الفترة الأخيرة نجاحات على الأرض تمهد بها للسيطرة على شعوب الجوار وإعادة رسم خريطة المنطقة بصورة مختلفة تتماشى مع أهدافها وتخدم مشروعها الصهيوني الشره الذي لم يتوقف أبداً والذي يسعى إلى ابتلاع المنطقة، إذ اتجه إلى إيران أولاً وقضى تقريباً على “حزب الله” ثانياً، وأخرج سوريا من معادلات الجبهة القوية المعادية لإسرائيل، وها هو يتحرش بمصر بين حين وآخر على رغم معاهدة للسلام يكاد يصل عمرها إلى نصف قرن حافظت عليها مصر دائماً طلباً للسلام الشامل والعادل وتطلعاً إلى قيام دولة فلسطينية وعاصمتها في القدس الشرقية.

ولم تتورع إسرائيل عن تبني المشروعات المرحلية والحلول الوقتية مثل مؤتمر مدريد واتفاقية أوسلو وغيرهما من المسكنات التي برع فيها الإسرائيليون عبر العقود الطويلة من الخداع والتزييف والعبث السياسي والقومي، كما شهدناها في كثير من الأحداث الفارقة في تاريخ الصراع الطويل تحت مسمى أزمة الشرق الأوسط والحل السحري الذي تغنى به الرئيس الأميركي دونالد ترمب تحت مسمى صفقة القرن وهو يعلم ونحن كذلك أنها ليست سوى خديعة دولية كبرى لتمرير المشروع الصهيوني والمضي وراء خريطة نتنياهو وتطلعاته السياسية.

خامساً: دعنا نعترف في شجاعة مع النفس ونقد للذات أن ضعف البنية السياسية لبعض الأنظمة العربية قد أدى إلى تراجع دورها الإقليمي وتأثيرها الشعبوي بحيث أخفق الخطاب السياسي المعاصر في عرض الرؤية الصحيحة للمشهد الحالي بكل تداعياته والتوقعات منه.

سادساً: أدى الانقسام الفلسطيني وضعف التمثيل السياسي لمشروع المقاومة إلى ضعف القدرة على مواجهة ما يجري وأن يسلب الجانب العربي عموماً فاعليته في مواجهة تيار التطبيع الذي يبشر به نتنياهو ويدعو إليه، كذلك فإن ما جرى في غزة منذ السابع من أكتوبر 2023 يشكل إهانة بالغة للعروبة وتيارها القومي وللإسلام وتأثيره الحضاري، إذ أصبح العرب هدفاً للتشهير السياسي، إضافة إلى الإهانة التي لا تمحى تاريخياً عندما نتذكر أن إسرائيل قتلت عشرات الآلاف من الفلسطينيين وهم جوعى يبحثون عن الطعام ومرضى لا يجدون العلاج، بل إن المئات منهم قد دفعوا حياتهم ثمناً لانتظارهم المساعدات والحصول على لقمة عيش أو شربة ماء، وأنا أظن أن تضحيات الشعب الفلسطيني ستظل نوراً يضيء الطريق نحو السلام العادل والدائم ولو بعد حين!

سابعاً: دعنا نقول بصراحة شديدة، إن المقاومة ضد الاحتلال ليست قاطرة بلا وعي ولا مسيرة من دون حساب، بل تحتاج دوماً إلى توازنات دقيقة وحسابات سياسية علوية، وليست مجرد مواجهة عسكرية عمياء، بل تخضع كذلك لمنطق المكسب والخسارة، ولا تكون أبداً طريقاً في اتجاه واحد بلا وعي أو بصيرة، ولنتذكر نموذج مقاومة غاندي للاحتلال البريطاني في الهند؛ لندرك أن المقاومة ليست فكرة واحدة أو أسلوباً منفرداً، ولكنها قرار سياسي محسوب بالدرجة الأولى.

ثامناً: إن انتشار الميليشيات في المنطقة العربية هو مؤشر سلبي يعني أن حال الانقسام والتشرذم ستظل صداعاً لا يتوقف يعانيه العقل العربي ويدفع فاتورة باهظة لتصرفات جماعات عرقية أو مذهبية تسلب الدولة الوطنية مكانتها وتعبث بدورها في المنطقة العربية.

هذه ملاحظات تحيط بالوضع العربي الراهن والأحداث الجارية على الساحة الفلسطينية وكلها تؤكد أن الأكاذيب الإسرائيلية لم تتوقف وأن الدعاوى الزائفة للسيطرة لا تزال مستمرة وفي مقدمها عودة شعار “من النيل إلى الفرات” حتى يتم تفريغ المنطقة من البشر الواعي والفكر الرشيد لأصحاب الحق الذي لا يضيع أبداً!

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى