أولوية الأمن الغذائي والمائي في إستراتيجية الملك محمد السادس

كتب محمد ماموني العلوي في صحيفة العرب.
المغرب يقع ضمن موقع جغرافي يتضرر بشكل دوري من مواسم جفاف قاسية لهذا بدأ في تنفيذ مشاريع إستراتيجية تتعلق بتحلية مياه البحر والربط بين الأحواض المائية عبر الطريق المائي السيار.
نقطتان أساسيتان شكلتا جوهر التدابير المباشرة وغير المباشرة لرؤية العاهل المغربي الملك محمد السادس، وهما الزراعة والماء المرتبطان عضويًا بالأمن الغذائي. يتناول المفهوم المبتكر لسياسة الأمن الغذائي التدخلات الملكية المباشرة من خلال إجراءات هيكلية في طرق تدبير الثروة المائية، سواء الجوفية أو السطحية، تلك الثروة التي تعرضت للإنهاك مع توالي سنوات الجفاف القاسية.
إضافةً إلى ذلك، هناك تدابير تتوافق مع الحاجات والظروف، مثل تحسين البنية التحتية الزراعية، والبيئة الاقتصادية العامة، وتزويد المزارعين بتقنيات زراعية جديدة لزيادة إنتاج الغذاء، وهنا أيضًا تظهر بصمات ملكية في المتابعة والدعم، كما لاحظنا في دور المكتب الشريف للفوسفات، والجهود التي بذلتها خطط وسياسات الأمن الغذائي لدراسة جميع الخيارات وآثارها على الأمن الغذائي.
لا يزال الجميع يتذكر كيف تعامل المغرب مع جائحة كورونا والتدابير التي اتخذتها الدولة بتوجيه مباشر من الملك محمد السادس لضمان إمدادات كافية من الغذاء وفي متناول جميع الفئات. شهدت أسواق المملكة وفرة في المنتجات الزراعية بأسعار مناسبة، وما كان لهذا أن يتحقق لولا السياسة الاستباقية، التي تمثلت في توفير مخزون مائي من خلال إنشاء عدد كبير من السدود الكبيرة والمتوسطة، إلى جانب الاستثمار في المجال الزراعي بالعالم القروي وتنميته.
الاهتمام بالعالم القروي، والفلاح الصغير، والموارد المائية منذ الاستقلال إلى اليوم، كان ضمن أولويات الملك محمد السادس، حيث بنى إستراتيجيته على ما تحقق في عهد والده الراحل الملك الحسن الثاني، الذي دشن سياسة بناء السدود. واستكمل العاهل المغربي الطريق وأبدع في تطوير البنية التحتية المرتبطة بالمياه، ما ساهم في مواجهة الضغوط الناجمة عن الظروف المناخية الصعبة.
التكيف والتخفيف من آثار الجفاف والتحفيز على الاستثمار في المجال الزراعي شكّلت نقطة ارتكاز لمشروع ملكي مستدام لتحقيق التنمية، إذ بالفعل، تعرض المغرب لأزمة تتعلق بنقص إستراتيجي في عدد قطيع الماشية، ما اضطره للاستيراد. ونظرًا إلى أن معالجة هذه الأزمات المعقدة تتطلب استجابات متكاملة وطويلة الأمد، فقد منح الملك الأولوية لصاحب الأرض الذي يمارس الزراعة وتربية الماشية، حفاظًا على الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي، وكذلك النفسي للمواطن. وكان القرار الملكي، بصفته أمير المؤمنين، إلغاء أضحية عيد الأضحى للمحافظة على ما تبقى من القطيع.
ولأن المخاطر والتحديات المتعلقة بالأزمات البيئية والغذائية تخضع للمعالجة الفورية والمستمرة من طرف خبراء وتحت إشراف ملكي مباشر، فقد أصدر العاهل المغربي خلال المجلس الوزاري الذي ترأسه يوم الاثنين 12 مايو توجيهاته الصارمة بضرورة نجاح عملية إعادة تكوين القطيع على جميع المستويات، بكل مهنية، ووفقًا لمعايير موضوعية، مع إسناد متابعة عملية تدبير الدعم إلى لجان تشرف عليها السلطات المحلية، أي وزارة الداخلية.
يتابع الملك الانعكاسات السلبية لضعف القطيع على أسعار اللحوم الحمراء التي ارتفعت، وتضرر منها جميع أفراد الشعب، ولهذا وجه وزير الزراعة إلى العمل على إعادة تكوين القطيع بشكل مستدام، وتحسين أوضاع مربي الماشية، وهو ما أكده الوزير في الاجتماع، حيث أشار إلى أن التساقطات المطرية الأخيرة كان لها أثر إيجابي جدًا، خاصة على إنتاج الحبوب والزراعات الخريفية والربيعية والأشجار المثمرة، كما ساهمت في تحسين الغطاء النباتي وتربية الماشية بمختلف مناطق المملكة.
كان الاهتمام الملكي بالوضعية المائية محور استفسار لوزير التجهيز والماء حول نسبة ملء السدود وأثر ذلك على الوضعية المائية في المغرب، حيث أكد الوزير أن معدل ملء السدود يصل حاليًا إلى 40.3 في المئة، ما يتيح تعبئة 6.7 مليار متر مكعب من المياه، أي ما يعادل استهلاك سنة ونصف السنة من الماء الصالح للشرب، وهو مؤشر إيجابي على أن السماء جادت بخيرها هذا الموسم.
لكن المغرب يقع في موقع جغرافي يتضرر بشكل دوري بمواسم جفاف قاسية، ولهذا بدأ في تنفيذ مشاريع إستراتيجية تتعلق بتحلية مياه البحر، والربط بين الأحواض المائية عبر الطريق السيار المائي. هذه المشاريع تتطلب حوكمة مبتكرة بعيدًا عن التجاذبات السياسية والمصالح الانتخابية، لضمان معالجة التحديات الهيكلية والتشغيلية المتعلقة بالغذاء والسلام والمناخ والماء.
لا يمكن تكرار الأخطاء السابقة التي رافقت برنامج المغرب الأخضر، إذ تجب الاستفادة من السلبيات لإنجاح إستراتيجية “الجيل الأخضر”، لضمان استدامة الإنتاج الزراعي، وتطوير سلاسل القيمة، وتحقيق معادلة الجودة والكمية في النظام الغذائي باعتبارهما عنصرين مهمين في الأمن الغذائي. كما يجب الحفاظ على الموارد الرئيسية من المياه وضمان توسيعها، نظرًا إلى تأثيرها على النمو الاقتصادي وتوزيع الدخل، بالإضافة إلى تحسين التقنيات والمؤسسات لدعم المزارعين.
تُعد معالجة الأزمات عملية مترابطة، إذ أن المغرب عرضة للتغيرات المناخية والظواهر الجوية المتطرفة التي تُلحق آثارًا سلبية بالنظم البيئية والغذائية. لهذا نجد الملك محمد السادس يستفسر ويضع الخطط والإستراتيجيات ويعطي التوجيهات لتطوير أساليب الإدارة وتعزيز الأمن الغذائي، حيث يُنظر إلى المناخ والبيئة على أنهما موضوعان قابلان للتكيف من منظور استباقي، بهدف إنتاج خطط جديدة لإدارة الأزمات والقطاع الزراعي والثروة المائية.
عند مراقبة مسيرة الملك محمد السادس طوال فترة حكمه، نجد أنه حريص ولا يتهاون في تعزيز الإدارة المتكاملة للمخاطر، سواء في ما يتعلق بالاقتصاد والأمن والدبلوماسية والسياسة، أو في ما يخص السياسات المائية والزراعية. كما يدعم الفلاح الصغير عبر مجموعة من المشاريع والقروض الميسرة، وتمويل المبادرات الزراعية، ويهدف في جميع إجراءات الدولة إلى تعزيز الكفاءة ومنح الشركات المنتجة مرونة لتحقيق أهداف الأمن الغذائي.