رأي

أولوية «أوبك+»: استعادة الحصة السوقية بدلاً من الدفاع عن الأسعار

كتب كامل عبدالله الحرمي, في الراي:

يبدو أن تحالف «أوبك+» قد حسم أولوياته في هذه المرحلة، إذ بات واضحاً أن هدفه الرئيسي هو استعادة حصته في السوق النفطية، حتى لو كان ذلك على حساب الأسعار. وفي هذا الإطار، قررت المنظمة زيادة إنتاجها بواقع 548 ألف برميل يومياً ابتداءً من أغسطس المقبل، استمراراً لنهجها في رفع الإنتاج خلال الأشهر الماضية، متجاهلة حتى الآن تأثير هذا القرار على أسعار النفط.

فقد هبط سعر خام برنت إلى نحو 68 دولاراً للبرميل، وهو مستوى سعري لا يلبي احتياجات اقتصادات دول «أوبك»، بل يزيد من الضغوط المالية عليها، ويؤدي إلى تفاقم العجز في موازناتها، ما يضطرها إلى خفض الإنفاق، وتقليص المشاريع التنموية والإستراتيجية، فضلاً عن اللجوء إلى الاستدانة من البنوك والمؤسسات المالية الدولية.

واللافت أن التوترات الجيوسياسية، وعلى رأسها الحرب بين إسرائيل وإيران، لم تنجح في تحفيز أسعار النفط كما كان متوقعاً، بل على العكس، تراجعت الأسعار، ما يعكس وجود فائض حقيقي في المعروض العالمي، ويؤكد أن الأسواق لم تعد تتفاعل مع المخاطر السياسية بالدرجة نفسها التي اعتادت عليها في الماضي.

ومع اتفاق «أوبك+» على زيادة الإنتاج إلى 548 ألف برميل يومياً من 411 ألف برميل حالياً، بهدف إلغاء التخفيضات الطوعية البالغة 2.2 مليون برميل يومياً والتي التزمت بها السعودية والإمارات وروسيا، يتضح أن الأولوية باتت لاستعادة الحصص السوقية، بعدما أثبتت سياسة خفض الإنتاج فشلها في دعم الأسعار، بل أدت إلى تراجعها المستمر منذ عام 2022.

كما أن المعطيات الحالية تشير إلى استمرار الفائض في الأسواق، حيث فقد النفط أكثر من ثلاثة دولارات في فترة وجيزة، في ظل توقعات باستمرار هذا الاتجاه، حتى مع التصعيد بين إسرائيل وإيران، ورغم المخاطر المرتبطة بإمكانية إغلاق مضيق هرمز، لم يشهد السوق أي ارتفاع حاد أو فزع، بل بقيت الأسعار دون مستوى 70 دولاراً للبرميل.

ومن الواضح أن قرار «أوبك+» السابق بخفض الإنتاج بمعدل 2.2 مليون برميل يومياً على مدى 18 شهراً لم يعد عملياً في ظل المستجدات الحالية، خاصة مع استمرار بعض الدول الأعضاء وغير الأعضاء في زيادة إنتاجها دون الالتزام بأي قيود، ما دفع المنظمة إلى مراجعة مواقفها وعدم قبول خسارة المزيد من حصصها لصالح المنتجين من خارج التحالف.

يُضاف إلى ذلك أن بعض دول «أوبك» باتت غير قادرة فعلياً على رفع إنتاجها أو حتى بلوغ حصصها المحددة، في حين تستمر دول أخرى، مثل كازاخستان، في تجاوز سقف إنتاجها دون الالتزام بالاتفاقات، ما يثير تساؤلات مشروعة داخل المنظمة بشأن جدوى الالتزام بحصص الإنتاج في ظل عدم التزام الجميع.

وفي ظل المنافسة الشرسة مع دول خارج «أوبك+»، مثل الولايات المتحدة وكندا والبرازيل، التي تواصل زيادة إنتاجها وتستهدف الأسواق التقليدية للمنظمة في آسيا، يبدو أن استمرار «أوبك+» في سياسة الحصص وخفض الإنتاج بات مكلفاً وغير مجدٍ. فالولايات المتحدة تنتج حالياً أكثر من 13.5 مليون برميل يومياً، وكندا نحو 5 ملايين برميل، والبرازيل تقارب 3.7 ملايين برميل، ومعظم هذه الدول تعتمد على آليات مرنة في التسويق، مثل التبادل التجاري والمقايضات، وليس فقط البيع النقدي.

ومن هنا، تبدو الحاجة ملحّة لإعادة النظر في سياسات «أوبك+»، خاصة أن العديد من دول المنظمة تمتلك طاقات إنتاجية فائضة لا يتم استغلالها، رغم استثماراتها الضخمة في قطاع النفط، فقط بسبب القيود المرتبطة بنظام الحصص. وقد حان الوقت لترك حرية الإنتاج لكل دولة حسب قدرتها، لاستعادة الحصص السوقية وتعزيز العوائد، بدلاً من التمسك بسياسات لم تعد تحقق أهدافها، فيما يستفيد المنتجون الآخرون من القيود التي تفرضها المنظمة على أعضائها.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى