رأي

أوكرانيا وإسرائيل قرابين النظام العالمي الجديد

كتب د. فايز الشهري, في “الرياض” :

حينما تهتزّ الأرض تظهر الشقوق أولا في المناطق الرقيقة الأضعف، أو تلك التي لا تنسجم مكوناتها مع محيطها كما يبيّن لنا علم طبقات الأرض. ومع تحوّلات النظام العالمي اليوم بدأت تظهر بعض ملامح الشقوق في الخارطة السياسية الدولية بشكل واضح. حتى أفريقيا التي استكانت لأوضاعها طويلا انتفضت على مندوب الاستعمار القديم (فرنسا) وبدأت في التحرّر بشكل واضح. وهذا ما يمكن رصده في مالي، مرورا ببوركينا فاسو، وصولًا للنيجر ثم إلى الكونغو الديمقراطيّة. وها هي السنغال تتململ خاصة بعد تولّي “الرئيس فاي” ورئيس وزرائه، “عثمان سونكو”، السلطة وهما ضمن تيّار وطني يدعو للتحرّر من التبعية للغرب وبالأخص فرنسا.

وبطبيعة الحال ظهر البديل في دول أفريقيا متمثلًا في روسيا والصين بشكل خاص، وذلك من خلال الدعم الاقتصادي والمشروعات وأيضا العون العسكري وبناء التحالفات. وفي جانب آخر وعلى الرغم من الحرب الروسية الأوكرانية ومحاولة الغرب (الناتو) لجم الجموح الروسي من خلال الحصار الاقتصادي والسياسي وفي مجال الاتصالات والمواصلات إلا أن موسكو تعزّز من فرص شبكات الشحن البحري والسكك الحديدية عبر إيران وممر في القطب الشمالي بما يسمح بالتواصل نحو أهم قوتين آسيويتين (الصين والهند). وهذه الخطط مع غيرها قد تجعل روسيا محوراً في قلب العديد من عمليات التجارة الدولية. وبحسب التقارير أيضا فإن هذا المسار يمكن أن يقلّل من زمن النقل بنسبة تتراوح بين 30 إلى 50%، مقارنة بقناة السويس على سبيل المثال. وهذا يعني اكتساب مساحة نفوذ اقتصادي وسياسي إذا احتسبناه مع تغيّر الحال في دول مهمة في غرب آسيا وفي مناطق لا تخضع بالضرورة للنفوذ الجيوسياسي للولايات المتحدة الأميركية والغرب عموما.

ولهذا فإن حرب روسيا في أوكرانيا تكشف أيضا عن وجه من أوجه الصراع بين نظام دولي يترنّح وهو يحاول إثبات حيويته الآخذة في الذبول، مع نظام دولي جديد يحاول أن يتموضع مستغلّا الظروف الاقتصادية العالمية وتضعضع العدالة في النظام القديم.

وعلى هذا السياق فإن ما يحدث اليوم في فلسطين من عدوان إسرائيلي على شعب ومدن وبلدات الفلسطينيين ربما يكون آخر فرصة لحكومة الاحتلال لممارسة الجنون، إذ بدأ الغرب يخشى من التورّط أكثر في دعمه الأعمى للحكومة المتطرّفة في تل أبيب. أما الولايات المتحدة فأصبح كرت فلسطين صاحب الوزن الانتخابي في الشارع لا كرت إسرائيل ما حدا بحكومة “بايدن” للضغط لاستصدار قانون يمنع حجب الدعم عن إسرائيل.

صحيح أن مصلحة حكومة إسرائيل المتطرّفة الحالية تقتضي أن تتوصّل لتسوية شاملة تتضمن حماس ومؤيديها لتضمن مستقبلها في نظام عالمي قادم لن يدلّلها كثيرا، ولكن الحسابات السياسية لتل أبيب قد تفقدها الفرصة. وهذا الحال من الارتباك في أوساط الإسرائيليين مردّه إلى معرفتهم أن العالم ربما بعد عقد أو عقدين لن يكون بشكله الحالي.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى