أوكرانيا تفاجئ الجميع وتحرج بوتين
كتب فاضل المناصفة, في “العرب”:
التوغل الأوكراني الذي اصطدم بمقاومة ضعيفة كشف حجم الضعف في قوات الاحتياط الروسية وأن روسيا قد رمت بحجم كبير من احتياطاتها في إقليم دونباس ووضع قادة الجيش تحت ضغط كبير.
توغل أوكراني داخل الأراضي الروسية يفاجئ الجميع ويفتح الباب لقراءات عديدة حول أهمية هذه الخطوة وتوقيتها ومدى تأثيرها على الموقف التفاوضي. إذ يأتي هذا التوغل في منطقة كورسك الحدودية في وقت كان السكان الأوكرانيون يشككون فيه بقدرة فولوديمير زيلينسكي على تحقيق النصر بعد سنتين ونصف السنة من الحرب، لكن من المؤكد أن هذا الحدث سيرفع من الروح المعنوية للجنود الأوكرانيين.
الهجوم الأوكراني المضاد في 2023، الذي كان يجري وجهاً لوجه، كبّد القوات الأوكرانية خسائر فادحة، وهو ما دفع بتغيير الإستراتيجية في هذا الهجوم. هذه المرة، واستناداً إلى معلومات استخباراتية دقيقة أكدت وجود عدد قليل من احتياطات الجيش الروسي في منطقة كورسك الحدودية، شن الأوكرانيون هجوماً مباغتاً مستغلين هذا الفراغ الذي يسمح لهم بالقيام بعملية اختراق سريعة وغير مكلفة بشرياً. وبالفعل، نجحوا في خداع الروس الذين ركزوا في خططهم العسكرية على التعامل مع أيّ هجوم مضاد محتمل على أراضي إقليم دونباس.
التوغل الأوكراني يمثل تحدياً سياسياً خطيراً وتحدياً لسمعة الكرملين، وهو الأكبر منذ تمرد قائد قوات فاغنر يفغيني بريغوجين العام الماضي، ويكشف عن أوجه قصور كبيرة في فعالية السلطات المركزية والإقليمية الروسية
عملية التوغل نجحت في السيطرة على بلدة سودجا الإستراتيجية، ما يعني أن الأوكرانيين متمركزون الآن على آخر خط في محطة توزيع الغاز، والتي من خلالها تزود شركة غازبروم الروسية سلوفاكيا والنمسا عبر أوكرانيا، وعلى القرب من محطة كورسك النووية. وهذا في حد ذاته مكسب تفاوضي في صالح الأوكرانيين، هذا في حال ما إذا تمكنوا من الصمود أمام خطة الهجوم التي يعدها الروس لاسترجاع البلدات التي سقطت في يد قوات زيلينسكي.
ولنكون واقعيين، فإن عملية التوغل لا يمكن أن توصف بالتحول الكبير في الحرب لأنها تبقى عملية محدودة. ولكن بعد 5 أيام من التوغل الأوكراني، لا تزال موسكو غير قادرة على تنظيم دفاع فعال لوقف القوات الأوكرانية ذات القدرة العالية على المناورة. ومن المثير للاهتمام أن نرى القوات الأوكرانية تقود هجوماً على أراضٍ روسية بتلك الجرأة والمخاطرة العالية. وهذا في حد ذاته رسالة قوية تطمئن الحلفاء الغربيين على أن معركة النفس الطويل لا تزال مستمرة، وأن ما يشاع عن قرب انهيار القوات الأوكرانية خاطئ، وأن خطة التوغل على الأراضي الروسية ما هي إلا تأكيد على إصرار الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي على شروطه التفاوضية وعدم رغبته في تقديم تنازلات مهينة للروس في حال تم الجلوس إلى طاولة المفاوضات.
التوغل الأوكراني الذي اصطدم بمقاومة ضعيفة كشف حجم الضعف في قوات الاحتياط الروسية، وكشف أيضاً أن روسيا قد رمت بحجم كبير من احتياطاتها في إقليم دونباس، ووضع قادة الجيش ورئيس الأركان العامة الروسي فاليري غيراسيموف تحت ضغط كبير بعد أن تسبب سوء التخطيط في إحراج الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي لطالما تكلم في خطاباته عن أن العملية العسكرية في أوكرانيا تسير في الاتجاه الصحيح لتحقيق الأهداف المرجوّة منها. لكن وبعد سنتين ونصف السنة من المعارك، يبدو أن أوكرانيا لديها اليوم من الأوراق ما يجنبها الخنوع في المفاوضات وما يمكّنها من استمرار الحرب على خلاف الروس العاجزين عن التقدم والراغبين في إنهاء الحرب والاكتفاء بإقليم دونباس.
عملية التوغل لا يمكن أن توصف بالتحول الكبير في الحرب لأنها تبقى عملية محدودة. ولكن بعد 5 أيام من التوغل الأوكراني، لا تزال موسكو غير قادرة على تنظيم دفاع فعال لوقف القوات الأوكرانية ذات القدرة العالية على المناورة
وعلى الرغم من أن الكرملين أعلن مناطق كورسك وبيلغورود وبريانسك “مناطق عمليات لمكافحة الإرهاب”، مما يمنح الجيش المزيد من الصلاحيات، إلا أن الخبراء يشككون في أن هذا سيكون كافياً لوقف التقدم الأوكراني. كما يشيرون أيضاً إلى أن الوضع في كورسك يمكن أن يؤثر على تقدم روسيا في أوكرانيا.
عملية التوغل ليست فقط مجرد رفع للمعنويات، لأنها ساهمت في تخفيف الضغط عن الجنود الأوكرانيين على الجبهة في شرق البلاد، بعد أن قررت روسيا سحب قواتها من منطقة دونيتسك المتنازع عليها من أجل وقف التقدم الأوكراني في كورسك. لكن الحفاظ على هذا المكسب الإستراتيجي للقوات الأوكرانية ليس سهلاً بالمرة، ومن الواضح أن الرد الروسي سيكون قوياً بحجم الإحراج الذي تعرض له بوتين.
وفقاً للخبراء العسكريين الغربيين، فإن التأثير المحتمل لغزو القوات الأوكرانية في منطقة كورسك في غرب روسيا يمكن أن يكون كبيراً. ويقول خبراء من معهد دراسات الحرب الأميركي (ISW) إن التطورات الأخيرة لا يمكن أن تؤدي إلى تعزيز محتمل لموقف أوكرانيا فحسب، بل قد تعرّض أيضاً الاستقرار في روسيا للخطر مع وجود أعداد كبيرة من النازحين من المناطق التي أعلنت فيها حالة الطوارئ، وهو ما سيخلق حالة من الغضب والاستياء ربما ستمتد لتشتعل شرارتها في موسكو مركز القرار.
يمثل التوغل الأوكراني تحدياً سياسياً خطيراً وتحدياً لسمعة الكرملين، وهو الأكبر منذ تمرد قائد قوات فاغنر يفغيني بريغوجين العام الماضي، ويكشف عن أوجه قصور كبيرة في فعالية السلطات المركزية والإقليمية الروسية. ومن المؤكد أن تداعيات هذا النجاح الأوكراني ستطال رؤوس كبار الجنرالات الروس كعقاب على فشلهم في التحضير والإعداد لمثل هذا النوع من التكتيك الأوكراني حتى وإن نجحوا في طرد القوات الأوكرانية من منطقة كورسك.