رأي

أوكرانيا بين خيارين

كتب يونس السيد, في “الخليج”:

بعد ما يقارب العامين ونصف العام على الحرب المشتعلة في أوكرانيا، يبدو أن كييف تتجه نحو خيارين لا ثالث لهما، إما الذهاب للتفاوض على تسوية وإنهاء الحرب، وإما التعرض لهزيمة استراتيجية، على الرغم من كل الدعم الغربي والضغوط والعقوبات التي يفرضها الغرب على روسيا.

يستند هذان الخياران إلى الحقائق والوقائع الجارية على الأرض، بعيداً عن الأوهام التي يسوقها الغرب بإمكانية إلحاق الهزيمة بروسيا، وتحقيق نصر لأوكرانيا، لم يعد ولم يكن أصلاً في متناول كييف والتحالف الغربي، لفرض صياغات جديدة للأمن الأوروبي والعالمي. ما نراه على الأرض هو أن روسيا تتقدم في الميدان وتراكم نجاحات تكتيكية، رغم رصد المليارات الغربية لتمويل الحرب وضخ شحنات السلاح والذخائر من كل الاتجاهات إلى كييف، على أمل تحقيق إنجاز ما يبعد شبح الهزيمة التي ستنعكس حتماً على الغرب نفسه، وتتسبب في تغيير معادلات وخرائط جيوسياسية ظل يسعى جاهداً لتجنبها.

الأسوأ هو أن الرهان على استنزاف روسيا في أوكرانيا لإضعافها وفرض الإملاءات عليها ثبت فشله، فروسيا دولة شاسعة وتمتلك قدرات وموارد هائلة بشرية وتسليحية، ناهيك عن كونها دولة نووية، أي أنها دولة عظمى بكل المقاييس، وهي قادرة على إنتاج أضعاف ما ينتجه الغرب مجتمعاً من السلاح والذخيرة، ما يجعلها قادرة على استنزاف الغرب، وليس العكس، ناهيك عن أنها تتمتع بمزية تحمّل التضحيات والمعاناة، أكبر بكثير من أوكرانيا والغرب.

ينصح المحلل السياسي والعسكري دانيال ديفيس، وهو كولونيل متقاعد في الجيش الأمريكي، أوكرانيا بتجميد الوضع على الجبهات والذهاب لمفاوضات مع روسيا لإيجاد تسوية سياسية قبل التعرض للهزيمة.

صحيح أن الشروط التي وضعتها روسيا صعبة للغاية من حيث قبول الأمر الواقع على الجبهة والتنازل عن الأقاليم الأربعة التي ضمتها روسيا عام 2022، وغيرها من الشروط، إلا أنه يمكن التفاوض بشأنها بمساعدة دولية، مادامت أوكرانيا لم يعد بإمكانها تحقيق نصر واضح، أو على الأقل، رفع تكلفة بقاء القوات الروسية على أراضيها.

وفي ضوء هذا الواقع، قد تفضّل روسيا خيار التفاوض على كل القضايا دون التخلي عن مطالبها وأهدافها الاستراتيجية، ممثلة في عدم انضمام أوكرانيا إلى حلف «الناتو» أو قبول أي وجود عسكري للحلف على حدودها، الأمر الذي تعتبره «تهديداً وجودياً» لها، وضمان أن تكون أوكرانيا محايدة وغير نووية، ناهيك عن إعادة صياغة الأمن في القارة الأوروبية على أسس عادلة تضع مصالح الجميع في الاعتبار. وهي مطالب تعيدنا إلى المربع الأول، إذ إن روسيا كانت قد طالبت بها ورفضها الغرب قبل اندلاع الحرب. وبالتالي يبدو أن أوكرانيا باتت مطالبة بتوضيح خياراتها المحدودة، إما مواصلة الحرب وهو ما سيقود إلى هزيمتها الحتمية، وفق الخبراء والمحللين، وإما العمل على تسوية سياسية مقبولة تنهي الحرب وتحفظ ماء وجه الجميع.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى