رأي

أوروبا وازدواجية المعايير

كان رئيس وزراء إسبانيا بيدرو سانشيز محقاً عندما اتهم أوروبا بممارسة سياسة «ازدواجية المعايير»، من خلال فرض 17 حزمة عقوبات على روسيا لحربها على أوكرانيا، بينما لا تفعل ذلك مع إسرائيل لحربها على الفلسطينيين.
هذا الاتهام وإن كان ليس جديداً، إلا أن أهميته أنه صدر عن زعيم أوروبي خلال القمة الأوروبية التي عقدت يوم الخميس الماضي في بروكسل لمناقشة الوضع في الشرق الأوسط وأوكرانيا، في إطار دعوته إلى التحرك لمواجهة انتهاكات إسرائيل المستمرة لحقوق الإنسان، وإلى تعليق اتفاقية التعاون معها فوراً.
لكن القمة التي انتهت بإصدار بيان يدعو إلى مواصلة مناقشة امتثال إسرائيل لاتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي في شهر يوليو/تموز المقبل، تهربت من اتخاذ قرار بتعليق الاتفاق جراء معارضة عدد من الدول، من بينها ألمانيا التي قال مستشارها فريدريش ميرتس إن «تعطيل الاتفاقية أمر غير وارد بالنسبة لألمانيا». يذكر أن قرار التعليق يحتاج إلى إجماع أوروبي، وهو أمر غير متوفر.
ومع أن القمة دانت التصعيد والعنف الاستيطاني والتوسع غير القانوني للمستوطنات، والعمليات العسكرية الإسرائيلية في الضفة الغربية، والدعوة لوقف فوري للحرب على قطاع غزة، وإدخال المساعدات الإنسانية، فقد خلا بيانها من الدعوة إلى فرض عقوبات محتملة على إسرائيل، أو الإشارة إلى حل الدولتين، باعتباره مدخلاً للسلام في المنطقة، وذلك نظراً لانقسام سياسي واضح تجاه مجمل قضايا المنطقة، وبسبب ضغوط أمريكية متواصلة لمنع دول الاتحاد الأوروبي من اتخاذ مواقف مؤيدة لحقوق الفلسطينيين.
هذه الازدواجية في المواقف الأوروبية، والتهرب من اتخاذ أي موقف عقابي ضد إسرائيل، يصدر رغم أن الدائرة الأوروبية للشؤون السياسية أكدت، في تقرير لها صدر الأسبوع الماضي، أن إسرائيل انتهكت التزاماتها المتعلقة بحقوق الإنسان بموجب بنود الاتفاقية التي تنظم علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي، وبذلك أثبت القادة الأوروبيون أنهم لا يلتزمون بدورهم بالاتفاقيات التي وقعوا عليها.
يذكر أن اتفاقية الشراكة الأوروبية – الإسرائيلية دخلت حيز التنفيذ عام 2000 بعد أن صادقت عليها جميع البرلمانات الأوروبية والكنيست الإسرائيلي، وتنص على التزام الأطراف بتعزيز اندماج الاقتصاد الإسرائيلي في الاقتصاد الأوروبي، بما يعكس توجه نحو شراكة استراتيجية طويلة الأمد.
ويُعتبر الاتحاد الأوروبي الشريك التجاري الأبرز لإسرائيل، إذ بلغ حجم تجارة السلع بين الطرفين نحو 42.6 مليار يورو عام 2024، ما يمثل 32 بالمئة من إجمالي تجارة إسرائيل مع العالم. كما بلغت قيمة الواردات الأوروبية من إسرائيل عام 2024 نحو 15.9 مليار يورو، أما صادرات أوروبا إلى إسرائيل، فقد بلغت 26.7 مليار يورو.
الأهم، أن الاتفاقية تنص على أن «احترام حقوق الإنسان، والمبادئ الديمقراطية يشكلان ركيزة أساسية للاتفاق»، وهو ما تم انتهاكه بشكل صريح من جانب إسرائيل في حرب الإبادة ضد سكان قطاع غزة. ورغم ذلك، فقد تجاهل القادة الأوروبيون ذلك، وتعمدوا التغطية على جرائم إسرائيل وانتهاكها لحقوق الإنسان، رغم أن 17 من أصل 27 دولة عضواً في الاتحاد الأوروبي دعمت مراجعة الاتفاقية مع إسرائيل.
إنها ازدواجية المعايير الغربية التي تتجلى يوماً بعد آخر، كدليل على انتهاك فاضح لحقوق الإنسان والقوانين الدولية عندما يتعلق الأمر بالإنسان الفلسطيني.

المصدر: الخليج

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى