أوروبا المحافظة الزاحفة
من هي حقا أورسولا فون دير لاين؟
كتب فريديريك ليبارون, في “لوموند ديبلوماتيك”:
لم تغير الانتخابات الأوروبية التي أجريت في 9 جوان / حزيران الماضي التوازنات السياسية في البرلمان. فرغم تقدم اليمين القومي ظلوا مفككين، ليبراليون وعلماء البيئة يتراجعون، يحتفظ الاشتراكيون الديمقراطيون وحزب الشعب موقفهم المهيمن. ولكن وراء هذه الاستمرارية الظاهرة تبرز كتلة أيديولوجية من المحافظين الجدد تجسدها أورسولا فون دير لاين.
لدى حصولها في جويلية تموز 2019 على أغلبية ضئيلة أوصلتها إلى منصب رئيسة المفوضية الأوروبية، اعتقد الجميع أن أورسولا فون دير لاين، هذه الشخصية الوسطية إلى حد ما في الديمقراطيةالمسيحية الألمانية، ستكتفي بأداء المهام التقليدية الموكولة إليها بحكم وظيفتها إعطاء وجه لبيروقراطية بروكسل التي يشتبه أحيانا في أنها تعيش على كوكب خارج المجموعة الشمسية، والتقدم بخطوات حذرة على حبل التوازن المشدود بين الحزب الشعبي والديمقراطيين الاجتماعيين، الذين يشتركون مع الليبراليين، في إدارة البرلمان. لكن جائحة وباء كوفيد 19- والحرب في أوكرانيا، غيرا المعادلة. ومن خلال الاستفادة من الفجوات المؤسساتية التي تطبع أوروبا السياسية، فرضت فون دير لاين توجهات جديدة في مجالات الدفاع والبيئة والهجرة، دون أن تصدم فعليا قناعات المؤيدين الأكثر حماسة لأوروبا الفيدرالية، أو تلحق إساءة بالحساسيات التقدمية والمحافظة. ولقاء قدر من التخبط والتردد وبعد خطتها للإنعاش الاقتصادي في ماي / أيار 2020، بدا أنها تسعى إلى إعادة توجيه الاتحاد نحو تنمية أكثر استدامة من خلال الميثاق الأخضر (Green Deal)، قبل أن تتراجع مؤخرًا في مواجهة التمرد واسع النطاق صلب حركتها السياسية ذاتها وصلب العالم الزراعي.
ومن بين جميع الاعتبارات التي تحدد أي ترشح لرئاسة اللجنة، يبدو أنه تم استبعاد عامل القرب من المزارع البافاري أو من مربي الماشية في المنطقة البيارنية (فرنسا). و فون دير لاين، التي تنحدر من سلالة أرستقراطية هانزية، قد انخرطت في السياسة في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين على خطى وفي نفس منطقة نفوذ والدها، الوزير ورئيس ولاية ساكسونيا السفلى، ونائب رئيس حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي (CDU) والموظف السامي الأوروبي صلب المديرية العامة للمنافسة اعتادت منذ الصغر متابعة صفحات المجلات، وتربت على احترام القيم المحافظة والصلاة على مائدة الطعام، وقد درست في كلية لندن للاقتصاد تحت اسم مستعار هربا من التهديدات بالاختطاف من قبل فصيل الجيش الأحمر المسلح، كما أن فون دير لاين دكتورة في الطب، وتتقن استخدام اللغتين الإنقليزية والفرنسية، وهي ليس لديها شغف بالالتقاء بالجماهير : تفضل ركوب الخيل على شرب الجعة رفقة الناشطين والمناضلين
وفي تناقض مع سلوك ينظر إليه على أنه حاد ومتعجرف مع المتعاونين معها، وميل إلى تعيين المقربين منها في مناصب رئيسية وضرب من التقشف والتحفظ الذي يتناقض مع الطبع المرح نسبيا الأسلافها، ارتقت فون دير لاين بالعلاقة الجيدة مع وسائل الإعلام إلى مستويات غير مسبوقة على صعيد هذا المنصب فمنذ عملها صلب وزارة الأسرة سنة 2005 حيث قدمت للعموم شخصيتها كامرأة نشيطة وأم السبعة أطفال للترويج لسياسة منح أسرية موجهة لتشغيل المرأة، أتقنت قواعد المشهدية السمعية البصرية وظهرت على جميع الصور الرسية إلى درجة إحساس رؤساء الدول والحكومات الأوروبية في بعض الأحيان بأنهم مجرد متسللين إلى تلك الصور.