أوروبا القلقة
من حق أوروبا أن تشعر بالخوف من عودة الرئيس الجمهوري دونالد ترامب إلى البيت الأبيض. فالمخاوف من تداعيات عودته قد تكون مزلزلة للعلاقات عبر الأطلسي، خصوصاً ما يتعلق بالحرب الأوكرانية وحلف شمال الأطلسي (الناتو)، والأمن الأوروبي، والعلاقات الاقتصادية.
التقط القادة الأوروبيون إشارات ترامب المتكررة خلال حملته الانتخابية بفرض ضرائب وتعريفات جمركية إضافية تصل إلى 10 في المئة على الواردات الأمريكية من دول الاتحاد الأوروبي، والضغط عليها لاستيراد المزيد من البضائع الأمريكية، ما يعني احتمال نشوب حرب تجارية بين الطرفين، إضافة إلى المخاوف التي قد تطال حلف الأطلسي، وأيضاً إعلانه التوصل إلى سلام بين روسيا وأوكرانيا ما يعني أنه ينفض يديه من مواصلة دعم كييف عسكرياً ومالياً، ذلك أن أوروبا لا تستطيع سد الفجوة التي يتركها قرار أمريكي بوقف هذا الدعم.
رئيسة وزراء إيطاليا جورجيا ميلوني خاطبت زعماء الاتحاد الأوروبي الذين اجتمعوا في بودابست بعد فوز ترامب بالقول: «لا تسألوا ماذا تستطيع الولايات المتحدة أن تفعل من أجلكم، بل اسألوا ماذا ينبغي لأوروبا أن تفعل من أجل نفسها»، في حين عبّر رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان عن هذه المخاوف بقوله: «لا تستطيع أوروبا تمويل هذه الحرب بمفردها، لا يزال بعضهم يريد الاستمرار في إرسال مبالغ هائلة من المال إلى هذه الحرب الخاسرة». في حين سارع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشار الألماني أولاف شولتس للتواصل واتفقا على ضرورة العمل معاً «من أجل أوروبا أكثر اتحاداً وقوة وذات سيادة»، وتعبيراً عن المخاوف الأوروبية خاطبت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلاين، الرئيس ترامب بعد فوزه وكتبت «دعونا نعمل معاً من أجل شراكة عبر الأطلسي تستمر في خدمة مصالح مواطنينا.. ملايين فرص العمل ومليارات من التجارة والاستثمارات على جانبي الأطلسي تعتمد على ديناميكية واستقرار علاقاتنا الاقتصادية».
يذكر أن العجز التجاري الأمريكي في السلع والخدمات مع الاتحاد الأوروبي بلغ 124 مليار دولار في العام 2024، وهو ما يسعى ترامب إلى تعديله من خلال التوصل إلى صيغة تجارية جديدة تنهي هذا العجز. كما يطمح ترامب إلى تحويل جزء من مصانع الشركات الأوروبية إلى السوق الأمريكية في العديد من القطاعات الحيوية ضمن خطة للوصول إلى أدنى نسبة بطالة، وهو الجانب الآخر الذي تخشاه الدول الأوروبية.
ومن المرجح أيضاً أن حلف الأطلسي قد يكون الضحية المقبلة لترامب، إذ دعا في أكثر من مناسبة إلى ضرورة دعم أكبر من الحلفاء، وعدم الاعتماد على الولايات المتحدة في توفير الأمن لأوروبا.. وفي فبراير (شباط) الماضي كان ترامب أعلن خلال حملته الانتخابية، أن الولايات المتحدة لن تدافع عن الدول الأعضاء في الحلف، التي لا تفي بالتزاماتها المالية، إذا ما تعرضت لهجوم روسي، و«سأدع روسيا أن تفعل ما تريد بكم، وعليكم أن تدفعوا».
يبدو أن أوروبا تواجه تغييرات جيوسياسية حقيقية وحالة من عدم اليقين ومخاوف مما يحمله المستقبل، وقد انعكس ذلك في تعليقات الصحف، فقد كتبت صحيفة «فايننشال تايمز» البريطانية: إن إعادة انتخاب ترامب «من شأنها أن تغير قواعد اللعبة بالنسبة لحلفاء أمريكا»، أما صحيفة «لوموند» الفرنسية فقالت: إن ترامب «عائد إلى السلطة مدفوعاً بغريزته السياسية ورغبة في الانتقام». وفي بولندا كتبت صحيفة «جيتشو سبوليتا»: إن «المشكلة الأكبر من وجهة نظرنا، هي أن أوروبا غير مستعدة تماماً لترامب. ليس ثمة زعيم في أوروبا حالياً قادر على أخذ زمام المبادرة في المجتمع الغربي.. تمر فرنسا وألمانيا بأزمة سياسية خطرة». أما صحيفة «ديرشبيغل» الألمانية فقد توقعت حدوث «تغييرات هائلة في السياسة الخارجية والأمنية الأمريكية والتي ستكون لها تداعيات سلبية على الأوروبيين»..
..أوروبا حائرة ماذا تفعل، إذ إن الخوف والقلق يخيمان عليها.
المصدر: الخليج