أبرزرأي

أوروبا… إذا خسرت حرب أوكرانيا

كتب خيرالله خيرالله في صحيفة العرب.

ثمة من يجد تفسيرا لكلّ ما يقوم به ترامب من منطلق أنّ الرئيس الأميركي يعتبر أنّ روسيا باتت ثمرة ناضجة حان قطافها.. المهمّ هو تفادي سقوطها في يد الصين.

حصل اتفاق لوقف إطلاق النار في أوكرانيا أم لم يحصل. ليست تلك المسألة. المسألة تتلخص بقدرة أوروبا على استعادة موقعها على الخريطة الدولية بعدما قرّر الرئيس دونالد ترامب قلب التحالفات التقليدية التي قامت منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. إنّها في الواقع تحالفات تأسست خلال الحرب بعدما جمعت الرغبة في الانتصار على ألمانيا النازية والإمبراطورية اليابانيّة بين أميركا وأوروبا وصولا إلى خوض الحرب الباردة معا في مرحلة لاحقة.

تبدو أوروبا ضحية الانقلاب الذي نفّذه ترامب والذي جعل منه حليفا لفلاديمير بوتين الطامح إلى استعادة أمجاد الاتحاد السوفياتي. القضية قضية أوهام بأوهام، لا لشيء سوى لأن لا وجود لأمجاد اسمها أمجاد الاتحاد السوفياتي. هناك مآس خلفها الاتحاد السوفياتي الذي مارس القهر في الداخل الروسي وفي كلّ جمهوريّة كان يتألّف منها الاتحاد فضلا عن دول أوروبا الشرقية ودول البلطيق الثلاث (ليتوانيا وإستونيا ولاتفيا) التي لم تعرف كيف تتخلّص من الاستعمار السوفياتي الذي يبدو أن الرئيس الأميركي يريد محو أي تذكير به، بل محو تلك الحقبة من تاريخ البشرية من ذاكرته ومن الذاكرة العالميّة!

 ليست أوكرانيا وحدها التي خسرت الحرب مع روسيا. هذا ما يبدو ظاهرا، خصوصا بعدما بدأت القوات الروسيّة تحقق تقدما على جبهة كورسك حيث كانت تمتلك أوكرانيا ورقة مهمّة بسيطرتها على أرض روسيّة. من خسر الحرب، في حال بقيت الأمور على حالها هو القارة الأوربية. ستكون كلّ دولة من دول القارة العجوز مهدّدة في حال استطاعت روسيا فرض الاستسلام على أوكرانيا. مثل هذا الاستسلام يعني موافقة دونالد ترامب على احتلال الأراضي الأوكرانيّة بالقوة بدعم وتواطؤ من الولايات المتحدة التي أخرجها دونالد ترامب من كلّ ما آمن به العالم الحر من مبادئ. سمحت هذه المبادئ بالانتصار الغربي في الحرب الباردة مع سقوط جدار برلين في تشرين الثاني – نوفمبر 1989 تمهيدا لإعادة توحيد ألمانيا.

من يضحك على من في اللعبة الدائرة حاليا بين فلاديمير بوتين ودونالد ترامب وهي لعبة جعلت ترامب يغض الطرف عن مشاركة كوريا الشمالية بطريقة مباشرة في الحرب الروسية على أوكرانيا؟ ذهبت كوريا الشمالية إلى حد إرسال قوات إلى روسيا للمشاركة في الحرب على أوكرانيا. لم يمنع ذلك الرئيس الأميركي من الإشادة بالزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون الذي أقلّ ما يمكن أن يوصف به أنّه دكتاتور ذو طِباع غريبة.

يبدو جليّا أن الرئيس الأميركي لا يعرف الكثير عن الرئيس الروسي على الرغم من وجود علاقة تفاهم في العمق أقامها معه. يدلّ على ذلك الإصرار على التعاون مع بوتين من أجل وقف الحرب الأوكرانيّة. لم يكتف ترامب بتجاهل أن روسيا باشرت الحرب على أوكرانيا في شباط – فبراير 2022 بحجة رغبتها في الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي (ناتو). تجاهل أيضا احتلال روسيا لأراض أوكرانيّة. لعلّ أهمّ ما تجاهله الرئيس الأميركي صمود أوكرانيا في وجه العدوان الروسي ومنع “الجيش الأحمر” من احتلال كييف.

ثمة من يجد تفسيرا لكلّ ما يقوم به دونالد ترامب وذلك من منطلق أنّ الرئيس الأميركي يعتبر أنّ روسيا باتت ثمرة ناضجة حان قطافها أميركيا. المهمّ تفادي سقوط روسيا بما تمتلكه من معادن ثمينة في يد الصين. ما المشكلة إذا كانت أميركا قادرة في عهد ترامب على الحصول على المعادن التي في روسيا وفي أوكرانيا في الوقت ذاته؟

كان لافتا تذكير ترامب ونائبه جي. دي. فانس الرئيس فولوديمير زيلينسكي بما قدمته الولايات المتحدة من مساعدات عسكرية وغير عسكرية لأوكرانيا كي تصمد في وجه الجيش الروسي. كان ذلك في اللقاء الذي عقد في البيت الأبيض بين الرئيسين الأميركي والأوكراني في البيت الأبيض. يريد ترامب مقابلا للمساعدات التي قدمتها بلاده لأوكرانيا غير مدرك أن أميركا لم تكن تدافع عن نفسها فحسب، بل كانت تدافع عن أوروبا والحرية فيها أيضا. هل صار الدفاع عن العالم الحر ملفا مطويا لدى ترامب الذي يعتقد أنّ في استطاعته تطويق الصين عن طريق التقارب مع فلاديمير بوتين؟

ليس في استطاعة أوروبا، التي دخل معها ترامب في حرب اقتصادية، تفادي التعاطي مع الواقع الجديد المتمثل في استعداد ترامب لأن يكون حليفا لروسيا غير مدرك للطبيعة الحقيقية لفلاديمير بوتين. لم يتردد الرئيس الروسي في الاستعانة بـ“الجمهوريّة الإسلاميّة” الإيرانية عندما فشل جيشه في تحقيق أي تقدّم في أوكرانيا. لم يتمكن بوتين من متابعة حربه على أوكرانيا من دون الدعم الإيراني في مرحلة معيّنة.

يتبيّن كلّ يوم أن دونالد ترامب رجل خطير. خطره على أميركا أولا وعلى حلفائها بشكل خاص. يتخلى عن حلفاء مضمونين من أجل شخص مثل فلاديمير بوتين يعتقد أنّه سيكون قادرا على التلاعب بالرئيس الأميركي الحالي مثلما تلاعب في الماضي، صيف العام 2013 تحديدا، بالرئيس باراك أوباما. وقتذاك، أقنع بوتين أوباما بتفادي توجيه ضربة إلى بشّار الأسد ونظامه على الرغم من استخدام السلاح الكيميائي في حربه على الشعب السوري. تراجع أوباما عن أي عمل عسكري يستهدف النظام السوري البائد على الرغم من أنّه كان حذرا من أن استخدام السلاح الكيميائي “خط أحمر”.

بين حلفاء مضمونين، قرّر دونالد ترامب الاستغناء عنهم، وحلفاء غير مضمونين، قرّر الرئيس الأميركي الرهان عليهم، يخشى أن تكون النتائج كارثة محتمة. ما الذي يمكن توقعه بعدما انضمت الولايات المتحدة، بفضل رئيسها الجديد، إلى حلف “الدول المنبوذة”، على رأسها كوريا الشمالية، التي تستثمر في تطوير الصواريخ فيما شعبها جائع.

هل تستطيع أوروبا مواجهة التحدي الذي باتت تمثله الولايات المتحدة؟ الجواب أن مستقبل القارة العجوز بات على المحك، خصوصا إذا خسرت حرب أوكرانيا، في عالم لا يمتلك فيه رئيس القوة العظمى الوحيدة أي قيم من أي نوع كان.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى