أهمية جولة الملك
كتب ابراهيم عبد المجيد القيسي في صحيفة الدستور.
ليست أرض بلا سكان؛ كما كانت تقول بريطانيا التي منحت اليهود وطنا يسكنه شعب، وفي غمرة تدفق الأخبار حول الهجوم المسعور على المدنيين في غزة، قد يسود ثانية هذا الاعتقاد، وتتعمد الدول الأوروبية وأمريكا التغاضي عن حقيقة وجود شعب في فلسطين، وفي غزة التي يتعرض شعبها لجريمة حرب أمام مرأى ومسمع العالم الحر والمتوحش..
شرع جلالة الملك عبدالله الثاني بجولة إلى الغرب المتوحش، الداعم لجرائم اسرائيل، الغرب الذي «انتفض» ديبلوماسيا ودعائيا ضد الفلسطينيين العزّل، وصمت عمدا عن جرائم اليهود المريعة ضدهم على امتداد 75 عاما، ولأن جلالته خبير في شؤون صناعة القرار الأوروبي والأمريكي، والعالمي، ويملك موقفا ووجهة نظر ولبلده مصالح تتهدد بسبب الصراع، سارع في التوجه هناك، وقابل وتواصل مع عدة مسؤولين، رؤساء دول، وبدأ في توصيل التحذيرات بشأن الأخطار التي ستنجم عن حرب الإبادة ونوايا التهجير، التي تشنها دولة الاحتلال اللقيطة ضد شعب فلسطين، ووضع رئيس وزراء بريطاني بصورة الموقف الأردني، الرافض للجرائم الاسرائيلية، وواجه الرئيس البريطاني بحقيقة جريمة الحرب التي تنفذها طائرات العدو الإسرائيلي، حيث قال بأن قطع الماء والكهرباء ومنع وصول الغذاء والدواء إلى غزة، هو جريمة حرب متكاملة، وهي حقيقة يعرفها «دعاة الديمقراطية والعدالة» في أوروبا وغيرها، لكنهم يتغاضون طمعا بتحقيق «أمر واقع» جديد، وهي أعمال ونتائج قامت بها، وحققتها اسرائيل كل الوقت، وفرضت على داعميها أمورا واقعة كثيرة، وعلى رأسها نكبة الشعب الفلسطيني و»العربي» عام 1967، حيث تم تهجير الفلسطينيين من أراضيهم وبيوتهم، وتم تقويض استقرار المنطقة منذ لك الوقت.
لا يمكن لكل الرؤساء والقادة الأوروبيين، أن يشيحوا النظر عما يقوله الملك عبدالله الثاني خلال هذه الأحداث، وهذه فرصة نادرة لا يريدون من أحد من زعماء العرب استغلالها وإفشال أهدافها، ومواجهتهم بالجريمة التي تقوم بها اسرائيل تحت سمعهم وبصرهم..
وما زال وزير الخارجية، وبشكل مواز لجولة الملك، يفعل كل شيء لتوصيل الموقف الأردني للجميع، حيث لا حل للصراع الا بمنح الفلسطينيين حقوقهم كلها، ولا يمكن للعرب ولدول الجوار، وللأردن على وجه التخصيص، أن يقبل بتهجير الفلسطينيين من جديد، فوق رفضه لجرائم الحرب، وموقفه الداعم للفلسطينيين على كل صعيد «محسوب»، وكذلك يفعل رئيس الوزراء، ويعبر عن موقف الأردن الرافض للتهجير ولجرائم الحرب التي تقوم بها اسرائيل ضد الشعب الفلسطيني الأعزل، وقال وزير الاتصال الحكومي بأن همنا الأول في هذه المرحلة، هو وقف هذا العدوان المجرم على غزة وحماية الأبرياء من الموت والتهجير..
وعلى الأرض الأردنية يوجد شعب ملتصق تماما بالشعب الفلسطيني وبقضيته العادلة، ويعتبرها قضيته الأولى، التي طالما دفع من دمه واستقراره من أجلها، وبسببها تضاءلت فرصه التنموية المستقبلية، أعني بسبب قضية الشعب الفلسطيني، الذي نال الأردن الجزء الأكبر من تبعاته البشرية ومن التهديدات الأمنية والسياسية ، فوق ضآلة فرصه الطبيعية في التنمية على كل الصعد.. الشعب الأردني الصابر؛ الذي قدم ثمنا كبيرا من دمه، وما زال يتعرض لتهديد وجودي بسبب المشروع الأوروبي «اسرائيل».. فهو الشعب الأكثر خبرة ومعاناة من تبعات وانعكاسات جريمة الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين..
الملك يسابق الوقت «الذي منحوه لجيش الاحتلال ليقوم بجريمته الكبيرة»، وسوف نشهد تحولات في مواقف تلك الدول بتأثير من خطاب الملك لهم في هذه الظروف، وعدم انتظاره «كغيره» ما ستتمخض عنه الجريمة الكبيرة، التي تقترفها اسرائيل بدعم أوروبي وأمريكي، علما أن الملك عبدالله الثاني لا يتحدث على صعيد إنساني فقط «كغيره»، بل المعروف عنه وعن خطاب وموقف الأردن، ومصالحه العليا، بأنه يواجه العالم كله بالحقيقة، وبالحل أيضا، ويعمل على إعادة الحوار الدولي إلى مربع السلام وحل الدولتين، وليس لمربع «صفقة القرن».. فكل هذه المشاريع هي قفز عن الحقائق، ولن تحقق استقرارا ولا أمنا في المنطقة، التي يتم جرّها لتطبيع وأحلام اقتصادية خيالية، بالتغاضي عن الواقع الطبيعي الحقيقي، الذي لا يمكن أن يختفي، وهو وجود شعب فقد أرضه وما زال يموت واقفا، ولا ولن ينسى قضيته وأرضه ومقدساته، وسيقاوم بكل الطرق..
الـ»فيلم» يتوالى بأحداثه المثيرة والمؤسفة، لكن سيكون للموقف الأردني الرسمي والشعبي أثر استثنائي، يبطل المؤامرة وسحر السّحرة، وهو موقف لا يقل عن أثر صمود الفلسطينيين في غزة وتشبثهم بأرضهم وحقهم..