أهمية الحوكمة في الشركات المملوكة للدولة
كتب ناصر بورسلي في صحيفة القبس.
في السنوات الأخيرة أصبحت حوكمة الشركات المملوكة للدولة أحد المحاور الحاسمة في تحسين أداء المؤسسات العامة وتعزيز قدرتها على المنافسة والاستدامة في الأسواق العالمية، حيث تُعتبر مبادئ الحوكمة الرشيدة أداة ضرورية لتحقيق الشفافية والمسؤولية، ما يساهم في تحسين الأداء الإداري والمالي لهذه الشركات، إذ تُسهم الحوكمة في توجيه استراتيجيات الشركات بما يتماشى مع الأهداف الاقتصادية والاجتماعية للحكومات، مع الحفاظ على معايير عالية من الشفافية والمساءلة.
تقوم حوكمة الشركات المملوكة للدولة على مبادئ عدة، تشمل الشفافية، والمساءلة، والاستقلالية في اتخاذ القرار. وتهدف هذه المبادئ إلى تعزيز الكفاءة المالية والإدارية وتحسين تنافسية الشركات على الصعيدين المحلي والدولي ومن خلال تطبيق آليات الحوكمة، تضمن الحكومات عدم تدخلها المباشر في القرارات اليومية للشركات، وهو ما أوصت به منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) في مبادئها التوجيهية.
وفي هذا السياق، تلعب نظرية الوكالة (Agency Theory) دوراً مهماً في تفسير العلاقة بين المساهمين (الملاك) والمديرين (الوكلاء). وتُظهر هذه النظرية أن هناك تضارباً محتملاً في المصالح بين المساهمين والمديرين، حيث قد يسعى المديرون إلى تحقيق مصالحهم الشخصية بدلاً من تعزيز قيمة الشركة للمساهمين ولذلك، تستلزم الحوكمة الجيدة وضع آليات رقابية صارمة لضمان أن تصب قرارات الوكلاء في مصلحة المساهمين وتجنب الانحراف عن الأهداف الأساسية للشركة، والتحديات التي تواجه الشركات المملوكة للدولة هي التوفيق بين الأهداف الاقتصادية والسياسية، كما في كثير من الحالات تقوم الحكومات بتوجيه هذه الشركات لتحقيق أهداف اجتماعية أو سياسية، مثل توفير فرص عمل أو تقديم خدمات عامة بأسعار مدعومة. وعلى الرغم من مشروعية هذه الأهداف، إلا أنها قد تؤثر سلباً في الأداء المالي للشركات. لذا، يعتبر وضع استراتيجيات حوكمة واضحة، تحقق التوازن بين هذه الأهداف، ضرورة أساسية لتحسين الكفاءة والحد من المخاطر.
حجر الزاوية في أنظمة الحوكمة الجيدة أنه يتعين على الشركات المملوكة للدولة الإفصاح بانتظام عن أدائها المالي وغير المالي لضمان الثقة بين المستثمرين وأصحاب المصلحة، حيث يتطلب هذا تبني سياسات إفصاح قوية تُعزز الشفافية وتُساعد على الحد من سوء استغلال المعلومات الداخلية. كما يُعد إفصاح المطلعين (Insider Disclosure) أحد الممارسات الأساسية التي تضمن الشفافية، حيث يُلزم المديرين ورؤساؤهم في الادارات المعنية بالاستثمارات او المطلعة بحكم عملها وغيرهم من المطلعين بالكشف عن معلوماتهم الداخلية، وبالتالي منع التداول غير العادل وتقييد اسمائهم اسوة بموظفي البنوك المركزية او هيئات اسواق المال.
المساءلة هي ركيزة في تحقيق الحوكمة الرشيدة، وتقع على عاتق أعضاء مجلس الإدارة مسؤولية كبيرة تجاه القرارات التي يتخذونها، حيث يجب أن تكون تلك القرارات موجهة لتحقيق أفضل مصلحة للشركة وأصحاب المصلحة، وتعزز هذه المسؤولية المساءلة وتمنع تضارب المصالح بين الأعضاء، وهو ما يعزز بدوره ثقة المستثمرين في الشركة.
الاستقلالية قرار، وهي أيضاً من الشروط الأساسية لنجاح حوكمة الشركات المملوكة للدولة، حيث يُفترض أن يتمتع مجلس الإدارة بحرية اتخاذ القرارات بعيداً عن الضغوط السياسية أو التدخلات الحكومية المباشرة، ويتم تحقيق ذلك من خلال وضع هيكل تنظيمي وقانوني قوي يضمن الاستقلالية في إدارة الشركات، ويسمح للإدارة باتخاذ قرارات مبنية على اعتبارات اقتصادية بحتة، ما يسهم في تحسين الأداء المالي والعملياتي للشركة وعدم الاخذ بتسليم قيادة الدفة في مجلس الادارة للاقلية فقط، بذريعة تمكين القطاع الخاص، دون الاخذ ببذل العناية الواجبة في الاعمال الموكلة بحسب النظرية السالفة الذكر.
في الختام، تظل للدولة ضرورة حتمية لتحسين أدائها وتعزيز قدرتها التنافسية وأن تبني مبادئ الشفافية، والمساءلة، والاستقلالية في اتخاذ القرارات، من شأن ذلك أن يُحقق التوازن بين الأهداف الاقتصادية والاجتماعية، ويضمن استدامة هذه المؤسسات على المدى الطويل. الالتزام بمبادئ الحوكمة الرشيدة لا يعزز فقط الثقة العامة والمستثمرين، بل يسهم أيضاً في تحقيق نمو مستدام يتماشى مع الأهداف الوطنية والدولية.