أبرزرأي

أهذه الحيلة التي تضمن لـ”ماكدونالد ترمب” دخول البيت الأبيض؟

إن كان عمل دونالد ترمب في تقديم البطاطس المقلية عند نافذة طلبات السيارة في بنسلفانيا لا يضمن له الفوز في الولاية المتأرجحة، فقد يتكفل إيلون ماسك بهذه المهمة

كتب شون أوغرايدي , في “اندبندنت عربية” :

هل ينفع ترمب في حملته الانتخابية أن يلجأ إلى التصرف بحيلة ويدعي أنه من عامة الناس ويعيش أسلوب حياتهم، فيما يعتمد على خدعة تسويقية وعلى دعم إيلون ماسك المطلق؟

مع أنه فاشي وطفولي ووحش مخيف، فقد بدا دونالد ترمب الذي رأيناه في الفيديو حين زار مطعم ماكدونالدز يوم أمس حقيقياً وقريباً بعض الشيء، بغض النظر عن أزرار الأكمام التي كان يرتديها عند توزيعه وجبات هابي ميل للأطفال.

“فاز” دونالد بالبطاطس المقلية، كما قد يعتبر، وتمكن من إعطاء أكياس كبيرة فيها وجبات جاهزة لزبائن مصعوقين دهشة من دون أن يشتم مرة واحدة. وهذا إنجاز أكبر مما يبدو بالنسبة إليه، ولا سيما بعدما أفلت من عقاله أكثر بعد في الفترة الأخيرة.

لم يهن أي شخص ولا هدد أي أحد برفع دعوى كيدية انتقامية ضده، كما فعل بعد الانتخابات الأخيرة (“هل تريد إضافة دعوى قضائية إلى طلبك؟”)، ولم يذكر حتى أن “أشخاصاً كثراً” يخبرونه كم هو ذكي، ولم يؤد حتى بتلك الرقصات غير المفهومة التي يقوم بها عندما لا يعود لديه ما يقوله.

ولو سمحتم لي فسأقول إن “ماك ترمب” كان تقريباً شبه ساحر، شبه.

لكن لا شك في أن المشهد لم يكن سوى حيلة فحسب، فعلى عكس ما يريد فريقه الإعلامي أن يوهمكم، هو لم يعمل لدوام كامل عند نافذة طلبات السيارات في المطعم الواقع في فيسترفيل (نعم صحيح، اسم المكان يعني كلمة وليمة بالانجليزية)، في بنسلفانيا. بل قضى كحد أقصى ساعة واحدة في بيئة مضبوطة بدقة.

أما المواطنون الأميركيون الفخورون الذين خدمهم، فيفضلون وجبة بيغ ماك وسمك الفيليه على لحوم الكلاب أو القطط الأليفة أو (بحسب خيال ترمب) الأوز البري مثل أولئك المهاجرين غير الشرعيين الرهيبين – واكتشفوا بالتالي أنهم يستحقون تعامل ترمب معهم بكياسة.

لكن مهما كان لطيفاً، فلن ينجح بخداع أحد. من يختارون أن يصدقوا ترمب – وهم كثر – سيختارون أيضاً أن يصدقوا بأنه يشبههم، وقريب منهم بعض الشيء. ومن يمقتونه، وهم مجموعة كبيرة كذلك، فسيستخفون بهذا العمل ويعتبرونه حيلة قام بها بسبب تجربة كامالا هاريس الكبيرة وعملها الشاق ضمن قطاع الأطعمة الجاهزة والسريعة.

لو استعرنا مصطلحات ماكدونالدز، فالوقت الذي قضاه ترمب ذو الحجم الكبير في ابتلاع شطائر البرغر أطول بكثير من ذاك الذي قضاه في طهيها. وعلى رغم أنه يحب شطائر بيغ ماك، إلا أن المسافة بين ترمب ونوع الحياة التي يعيشها من جهة وبين أي مواطن عادي من بنسلفانيا من جهة ثانية تعادل تلك التي تفصل هذا المواطن عن المستوطنة البشرية التي يحضرها إيلون ماسك على كوكب المريخ من أجل هجرته إليها، مثلاً.

وبعد ضرب هذا المثل، نصل بسلاسة، كما مركبة ماسك الفضائية التي تعود للقاعدة، إلى الدور الذي يلعبه أغنى رجال في العالم من أجل إعادة ترمب للبيت الأبيض.

فيما لا يرجح أن يحدث ظهور ترمب في ماكدونالدز تغييراً كبيراً في نتيجة الانتخابات في ولاية بنسلفانيا المتأرجحة، ربما يستطيع يانصيب “مليون دولار” الذي صنعه ماسك أن يفعل ذلك.

من ناحية الحيل، فهذه الحيلة هي القادرة على إحداث ضرر أكبر بكثير- ليس في نتيجة انتخابات الولاية، وبالتالي في المجمع الانتخابي (وهو يبلغ 19 صوتاً مهماً يمكن أن ترفع رصيد الرجل البرتقالي فوق عتبة 270 وتمنحه الفوز)، إنما في نزاهة النظام بصورة أعم – وفي المفهوم (كما القانون) الذي ينص على أنه يجب عدم تقديم الرشاوى للأشخاص لقاء صوتهم الانتخابي أو حتى لقاء تسجيل اسمهم في لوائح الاقتراع.

لا شك في أن فريق ماسك القانوني يعتقد بأنه لا مشكلة في هذا الأمر، وسيقول أنصار “ماغا” بأن مقاضاة ماسك بتهمة التدخل في الانتخابات مثال إضافي على شن الديمقراطيين حرباً بالقانون على هذه الشخصيات الوطنية، لكن هذا التصرف مخالف لروح القانون، ولنصه أيضاً على الأرجح.

لم يسجل التاريخ السياسي للولايات المتحدة، بل ربما العالم كله، محوراً كمحور ترمب وماسك – صاحبي المليارات اللذين يتحدان من أجل تشكيل نظام استبدادي، لا يخفف من وطأته سوى عدم عملية أفكارهما المجنونة.

والوضع أشبه باتحاد هنري فورد وجون بيربونت مورغان وويليام راندولف هيرست في زمن سابق لكي يضعوا جمهورياً مناصراً للحمائية والانعزالية في البيت الأبيض. وفي الحقيقة، يعادل ماسك بثروته الضخمة وسيطرته على وسائل التواصل الاجتماعي (حيث يعمل شخصياً وبصورة فاعلة لصالح ترمب) كل أقطاب الأعمال أولئك مجتمعين.

في هذه المرحلة، لا أحد يعرف من سيفوز بالانتخابات – حتى الجهات المختصة باستطلاعات الرأي أصبحت مسيسة وتخضع للاستقطاب. لكن ما يبرز بصورة أوضح هو أن نحو نصف الناخبين في الولايات المتحدة على ما يبدو مستعدين للتصويت لصالح أكبر خطر على الديمقراطية الأميركية منذ الحرب الأهلية.

فالمحكمة العليا أساساً بيده، ولديه حرية غير مسبوقة من أجل استخدام سلطاته التنفيذية. وفي حال فوزه، سيطهر كل جهاز الخدمة المدنية من أي شخص لا يتوافق وأجواء “ماغا”، فيما سيقع الإعلام بين مهابة ترمب من جهة وإضعاف ماسك له من جهة أخرى، لأن موقع التواصل الاجتماعي الذي يملكه الرجل سيتحول إلى آلة لحركة “ماغا”.

ويبدو بالفعل أن ماسك نفسه سيعين في إدارة ترمب وتسند إليه مهمة تخريب الحكومة الفدرالية بالطريقة نفسها التي حول بها منصة إكس المعروفة سابقاً باسم “تويتر”، إلى جحيم عنصري كاره للنساء. عاجلاً أم آجلاً، كان الحظ سيحالف ترمب وعقيدته الوطنية الشعبوية كما حصل في 2016، ومع أن الأمور لم تجر لصالحه في 2020 فكفته قد تكون هي الراجحة مرة جديدة، وقد تنتقل المسؤولية إلى عاتق جيه دي فانس في المستقبل.

من المذهل ألا يكون الرجل بشخصيته المعروفة وفوضى تجربة ولايته الأولى وتمرد السادس من يناير (كانون الثاني) استبعد نهائياً عن التأهيل لشغل أي منصب عام، لكن ها نحن – أمام مجرم مدان يتصرف وكأنه واحد من الناس عند نافذة بيع السيارات في مطعم ماكدونالدز كما لو كان ذلك أكثر الأمور طبيعية في العالم.

وهو ليس كذلك طبعاً، لكن في مرحلة ما، سيتعين على بقية العالم أن يواجه حقيقة بأن من يختاره الناخبون الأميركيون زعيماً لهم مسألة تخصهم وحدهم، وإن كانوا يرغبون في تسليم زمام الأمور إلى مجنون فهذا ما سيحدث.

علينا التكيف مع واقع أن أميركا، تلك القلعة المشرقة، تنزلق رويداً رويداً نحو شكل من أشكال نصف الديمقراطية الاستبدادية التي نراها في أماكن مثل تركيا، وعلينا أن نتقبل أنه يمكن شراء الأصوات في بنسلفانيا بصورة أكثر صراحة ووضوحاً من مولدوفا. وسيكون على أوروبا بصورة خاصة أن تدافع عن نفسها باستخدام مواردها الخاصة، وأن ترعى مصالحها الاقتصادية.

لكننا لا نحب ذلك.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى