أهداف دعوة الحزب لإستراتيجية دفاعية
كتب نزار عبد القادر في “اللواء”:
بالرغم من كل التوقعات المتفائلة بقرب الاعلان على توافق اميركي – ايراني على المخرج الاوروبي الذي قدمه جوزيب بوريل لعودة واشنطن للاتفاق النووي، الامر الذي تستعجل حصوله ادارة بايدن كخطوة اساسية على طريق حل مأزق انقطاع الغاز الروسي عن اوروبا مع اقتراب نهاية فصل الصيف وعودة الاجواء الباردة الى القارة الاوروبية، فإن الاجواء لا تبشر بإمكانية حصول انفراجات سياسية وامنية في الازمات التي تعاني منها دول الشرق الاوسط، وخصوصاً الازمة اللبنانية، والتي توحي جميع المؤشرات بأننا ما زلنا في بدايتها.
يبدو بأن كل المؤشرات الداخلية والاقليمية توحي بأن لبنان سيبقى معلقاً على الصليب، وبأن عذابات وآلام الشعب اللبناني مرشحة للاستمرار في ظل الازمة السياسية المتفاقمة التي يواجهها سواء لجهة الفشل في تشكيل حكومة فاعلة، تحل مكان الحكومة المستقيلة منذ حدوث الانتخابات النيابية قبل ما يزيد عن ثلاثة اشهر، او لجهة امكانية حصول توافق سياسي يؤدي الى انتخاب رئيس جديد للجمهورية يحل مكان الرئيس عون الذي ستنتهي ولايته في اخر تشرين اول.
لكن يبقى التهديد الاخطر من تفاقم الازمة الحكومية الداخلية وحصول فراغ رئاسي في الانزلاق الى مواجهة عسكرية بين اسرائيل وحزب الله على خلفية فشل مساعي الوسيط الاميركي آموس هوكشتاين في التوصل الى حل لترسيم الحدود البحرية بين البلدين.
ان التصريحات المتكررة التي تصدر عن وزير الدفاع الاسرائيلي بنّي غانتس، والتي كان آخرها التحذير الذي نقلته صحيفة «ذي تايم اوف اسرائيل» بتاريخ 2 آب الجاري، حيث اعتبر ان «اي هجوم يشنه حزب الله ضد اي حقل غاز اسرائيلي سيؤدي الى رد فعل اسرائيلي وحدوث اشتباكات ومعارك عسكرية، قد تدوم لبضع ايام، نحن اقوياء وحاضرون لمواجهة مثل هذا السيناريو، ولكننا لا نرغب بحدوثه». وأكد غانتس على استخراج الغاز من حقل «كاريش» عندما تستكمل التحضيرات التقنية.
جاء تحذير غانتس في اعقاب تقرير نشره التلفزيون الاسرائيلي يوم الاحد الماضي حول تدابير الامن والانذار القصوى التي تتخذها القوات الاسرائيلية على الحدود الشمالية، رداً على المخاوف من قيام حزب الله بشن هجوم من اجل تعطيل المفاوضات الجارية لحل النزاع البحري مع لبنان، وذلك بعدما ابدى الوسيط الاميركي هوكشتاين قدراً من التفاؤل بقرب التوصل الى حل.
في المقابل كان الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله قد صرح في 9 آب عن ان الحزب جاهز للتصعيد اذا لم يحصل لبنان على حقوقه كاملة من خلال المفاوضات الجارية بواسطة الوسيط الاميركي.
تنذر اجواء التشنج القائمة بين لبنان واسرائيل بإمكانية اندلاع اشتباكات قد تؤدي الى نتائج كارثية على لبنان، وفق توصيف وزير الدفاع الاسرائيلي، وذلك بالرغم من تأكيدات المسؤولين لدى حزب الله واسرائيل بأنهم لا يريدونها ولا يسعون اليها. ولكن يبقى من الضروري ان يدرك المسؤولون لدى الجانبين بأن الحرب لا تندلع في معظم الاحيان نتيجة قرار عقلاني يتخذه احد الطرفين المتنازعين، وبأنه يمكن اندلاعها عن طريق خطأ يرتكبه احدهما، وهذا ما حدث عام 2006 بين اسرائيل وحزب الله.
في ظل هذه الظروف الصعبة التي تواجهها المنطقة ويواجهها لبنان على خلفية قرب الاستحقاق الرئاسي، واجواء الشك والغموض التي تلف المفاوضات حول حل مسألة الحدود البحرية مع اسرائيل، يعود السيد حسن نصر الله، وبشكل مفاجئ ليعلن استعداد الحزب لمناقشة الاستراتيجية الدفاعية مع الدولة، والافرقاء السياسيين الآخرين. ويطرح هذا الاقتراح الجديد حول جهوزية الحزب لبحث الاستراتيجية الدفاعية بتساؤلات عديدة حول الاهداف التي يرمي السيد نصر الله الى تحقيقها في ظل كل هذه الاستحقاقات الخطيرة الداهمة التي يواجهها لبنان؟ هناك جملة اسئلة لا بد من طرحها قبل الاسترسال في توصيف الاهداف التي يمكن ان يرمي الى تحقيقها ابرزها:
السؤال الأول، هل يهزأ السيد نصر الله من عقلانية وذاكرة الشعب اللبناني، حول كل القرارات والتحركات العسكرية التي قام بها الحزب والتي اضرت بسيادة لبنان وبمصالحه العليا على كل المستويات الداخلية والعربية والدولية؟
السؤال الثاني، هل نسي السيد نصر الله ما انتهت اليه المفاوضات التي جرت في مجلس النواب وبحضوره شخصياً وبدعوة من الرئيس بري عام 2006، والتي اقرت كامل الاجندة المطروحة باستثناء مسألة سلاح حزب الله والاستراتيجية الدفاعية؟ دون ان ينفذ اي شيء منها.
السؤال الثالث، هل يعتقد السيد نصر الله ان اللبنانيين قد تناسوا هروب الحزب من الاستمرار في طاولة الحوار التي دعا اليها الرئيس ميشال سليمان، بعدما تقرر البحث عن القواسم المشتركة بين كل الاوراق التي رفعها الاطراف المشاركون في بحث الاستراتيجية الدفاعة؟
السؤال الرابع، هل يذكر السيد نصر الله تراجع الحزب عن الوثيقة التاريخية المعروفة باسم «اعلان بعبدا»، وتفرده بقرار المشاركة في الحرب في سوريا، وبسيطرته على الحدود على حساب الدولة اللبنانية وقواتها المسلحة؟
يدفعنا هذا الطرح الجديد والمفاجئ للعودة الى طاولة الحوار لبحث الاستراتيجية الدفاعية بعد كل ما جرى حول طاولات الحوار الوطني السابقة الى استقراء الاهداف والغايات التي يسعى الحزب الى تحقيقها في ظل الازمات المتشابكة والمعقدة التي يواجهها لبنان.
في رأينا يدرك حزب الله من خلال نتائج الانتخابات الاخيرة مدى تراجع قاعدته الشعبية، الامر الذي اكدته خسارته للاكثرية البرلمانية التي كانت له في مجلس النواب السابق. كما انه يدرك مدى ادراك مختلف القوى السياسية والشعبية في مختلف المناطق الى اهمية استعادة عامل السيادة من قبل الدولة، كخطوة ضرورية واساسية على طريق التعافي واعادة بناء مؤسسات الدولة واسترجاعها لدورها المسلوب من قبل حزب الله وحلفائه في قوى 8 آذار ومحور الممانعة.
لا يمكن ان يتجاهل الحزب انه لم يعد اللاعب الفاعل الاساسي في الاستحقاق الرئاسي المقبل، والذي يمكن ان يسمح له بتكرار نفس السيناريو بتعطيل جلسات الانتخاب وتراجع الكتل النيابية المناوئة عن مواقفها والبحث عن تسوية مقابل انتخاب مرشحه للرئاسة، يدرك الحزب ان الحراك النيابي والشعبي ومطالبات رجال الدين وعلى رأسهم البطريرك الراعي، جميعهم يطالبون بوصول مرشح مستقل وسيادي الى سدة الجمهورية ولا شك ان حزب الله يدرك مدى التغيير الذي حدث في البيئة العربية وفي البيئة الداخلية لجهة تأييده في مواجهة اسرائيل، في حال ساءت الامور وتدحرجت الى مواجهة عسكرية لن تتوفر للحزب البيئة الحاضنة لبنانياً وعربياً التي حظي بها اثناء حرب 2006 وبعدها، وخصوصاً الامكانيات التي توافرت لاحتضان النازحين من الجنوب والضاحية، مع الاموال اللازمة لاعادة الاعمار. من هنا تبدو الحاجة ماسة لديه لتهيئة الظروف الايجابية لاستعادة ما خسره من حاضنته.
لم يعد من الممكن ان تنطلي هذه المناورات «الخادعة» على الشعب اللبناني وان المطلوب اعتماد نهج تغييري واضح في سلوكية حزب الله، وليبدأ من الاستحقاق الرئاسي المقبل.