كتب خيرالله خيرالله في الراي.
لدى طرح أي موضوع ذي علاقة بالتصعيد في المنطقة، أكان ذلك متعلقاً بحرب غزّة أو جنوب لبنان أو تصرّف الميليشيات المذهبيّة التي تحكم العراق أو الأراضي السورية… أو الملاحة في البحر الأحمر، لا يمكن تفادي وجوب التعاطي بطريقة أو بأخرى مع «الجمهوريّة الإسلاميّة» في إيران.
فرضت إيران نفسها في كلّ ملفّ من ملفات المنطقة، خصوصاً أنّها تمتلك مفاتيح توسيع حرب غزّة ساعة تشاء من دون التورط مباشرة في أي حرب من الحروب التي تديرها طهران من بعيد…
في النهاية، لا مفرّ من التساؤل عن مدى النفوذ الإيراني داخل «حماس» التي تضع شروطاً مستحيلة من أجل الموافقة على وقف للنار في غزّة بموجب المبادرة التي طرحها الرئيس جو بايدن.
تتصرّف «حماس» كما لو أنّها حققت انتصاراً كبيراً في غزّة بمجرد أنّّها تحتجز إسرائيليين. كلّ ما يهمّ الحركة التوصل إلى اتفاق يعيد الوضع في غزّة إلى ما كان عليه قبل السابع من أكتوبر الماضي يوم شنّت هجوم «طوفان الأقصى».
حسناً، ما دام المطلوب العودة إلى ما قبل السابع من أكتوبر، لماذا كان «طوفان الأقصى» الذي هزّ إسرائيل من أساسها، لكنّه أدى في الوقت ذاته إلى ردّ فعل وحشي. كانت نتيجة ردّ الفعل تدمير غزّة عن بكرة أبيها وتهجير أهلها.
على الطاولة الآن مبادرة أميركيّة تتضمّن تناقضات كثيرة في طليعتها غياب أي موافقة إسرائيليّة رسميّة عليها، خلافاً لما يدعيه مسؤولون أميركيون. لكنّ هل تمتلك «حماس» القوة التي تسمح لها بوضع شروط من أجل قبول المبادرة وفرض تعديلات عليها؟
تعتبر طهران، «حماس» ورقة من أوراقها في المنطقة من جهة، ولا ترى أن هناك ما يدعو إلى وقف سريع للنار من جهة أخرى.
تستطيع الولايات المتحدة تحويل مبادرتها إلى قرار صادر عن مجلس الأمن وتستطيع الحصول على تأييد الدول الصناعية السبع الكبرى، التي اجتمعت في إيطاليا، لهذه المبادرة التي حظيت بدعم عربي كبير.
لكنّ الحلقة الناقصة تظلّ إيران نفسها ونفوذها داخل «حماس».
كيف ستتعاطى واشنطن مع طهران بعدما تبيّن أن «الجمهوريّة الإسلاميّة» عرفت تماماً من أين تؤكل الكتف وكيف تجعل حرب غزّة تصبّ في مصلحتها.
كان آخر دليل على ذلك الزيارة التي قام بها لبغداد وزير الخارجيّة الإيراني بالوكالة علي باقري كني. اختار الوزير الإيراني التوقيت المناسب لزيارة العاصمة العراقيّة ولأحد المعالم الإيرانية التي أُقيمت فيها.
ليس مهماً من التقى باقري في بغداد. المهمّ ذهابه إلى المكان الذي أقيم فيه النصب التذكاري لقاسم سليماني الذي يظهر فيه يدا بيد مع أبومهدي المهندس نائب قائد «الحشد الشعبي».
بات النصب يرمز إلى حجم النفوذ الإيراني في العراق حيث اغتيل قائد «فيلق القدس» في «الحرس الثوري» مع أبومهدي المهندس بُعيد مغادرتهما مطار بغداد مطلع العام 2020.
نفذت مسيّرة أميركيّة عملية اغتيال سليماني الذي يشكّل الرمز الأبرز للمشروع التوسّعي الإيراني في المنطقة، وهو مشروع أخذ بعداً جديداً مختلفاً بعد بدء حرب غزّة وظهور مدى عمق العلاقة القديمة التي تربط بين «حماس» وطهران.
أراد الوزير باقري تأكيد أنّ إيران موجودة في العراق كي تبقى فيه وأن لا شيء يمكن أن يهز هذا الوجود، تماما كما الحال في لبنان وسورية وشمال اليمن.
إنّه واقع لا يمكن للولايات المتحدة تجاهله، خصوصاً بعدما تبيّن أن مبادرة بايدن لا تواجه فقط شروط «حماس» التي ترفض الاعتراف بما حلّ بغزة.
تواجه المبادرة الأميركيّة أيضاً شروط رئيس الحكومة الإسرائيليّة بنيامين نتنياهو وحلفائه في أقصى اليمين. يصر «بيبي» وحلفاؤه على استمرار الحرب من منطلق أن وقفها سيعني عاجلا أم آجلا تغييراً كبيراً في إسرائيل.
بين شروط «حماس» وشروط الحكومة الإسرائيليّة، لم يعد معروفاً كيف سيتصرّف الرئيس الأميركي الذي سيتوجب عليه قريباً الاعتراف بالواقع القائم، أي بالثقل الإيراني في المنطقة.
لم يعد من شكّ بأنّ هناك محاولات أميركيّة لإزاحة «بيبي». تدلّ على ذلك استقالة بيني غانتس من حكومة الحرب.
وجه غانتس، وهو رئيس سابق للأركان وأحد أبرز المرشحين لتولي رئاسة الحكومة مستقبلاً، انتقادات شديدة إلى الحكومة الحالية ورئيسها داعياً إلى انتخابات نيابية باكرة تمهيداً لإحداث تغيير داخل إسرائيل.
لكنّ الواضح أنّ التغيير الداخلي الإسرائيلي، الذي تسعى إليه واشنطن، لن يكون كافياً في حال كان مطلوبا مقاربة حرب غزّة من زاوية الحل الشامل في المنطقة.
لن تتمكن أميركا، بقي بايدن أم عاد دونالد ترامب إلى البيت الأبيض بعد أشهر قليلة، من الهرب من السؤال المتمثل بما العمل مع إيران؟
إلى متى الهرب الأميركي من السؤال الصعب عبر محادثات مباشرة وغير مباشرة مع طهران؟
الجواب أن الهرب لا يمكن أن يستمرّ إلى ما لا نهاية في ضوء غياب الرغبة الأميركية، أو على الأصحّ القدرة لدى واشنطن على الرضوخ لما تريده «الجمهوريّة الإسلاميّة» من اعتراف بدورها الإقليمي المُهيمن…