رأي

أميركا تواصل الحشد في الكاريبي: رهان على إسقاط مادورو… بانقلاب

فيما يستمرّ الاستعراض العسكري الأميركي قبالة فنزويلا، يعتقد الخبراء أن هدف ترامب الحقيقي، الضغط على قادة الجيش الفنزويلي لتنفيذ انقلاب يطيح الرئيس نيكولاس مادورو.

كتب سعيد محمد, في الأخبار:

مع رُسوّ مدمّرة في ترينيداد وتوباغو، وتحريك حاملة طائرات بالقرب من الساحل الفنزويلي، وإعلان البيت الأبيض عن «عمليات عسكرية مستقبلية محتملة ضدّ فنزويلا وكولومبيا»، يستمرّ الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في سياسة الضغط الشديد على النظام البوليفاري في كاراكاس، فيما يرى فيه خبراء رهاناً على دفع الجيش الفنزويلي إلى تنفيذ انقلاب يُطيح الرئيس الفنزويلي، نيكولاس مادورو.

ومع استمرار الحشد العسكري الأميركي، وصلت المدمّرة الصاروخية «يو إس إس غريفلي»، الأحد، إلى ميناء ترينيداد وتوباغو «لإجراء تدريبات مشتركة» مع الجيش المحلّي، وذلك بالتزامن مع تحريك حاملة الطائرات «يو إس إس جيرالد فورد» ومجموعتها القتالية قبالة السواحل الفنزويلية، وهي تحرّكات ندّدت بها الحكومة الفنزويلية، ووصفتها بأنها «استفزاز عدائي… وتهديد خطير للسلام في منطقة الكاريبي»، محذّرة من أن واشنطن تحضّر لـ«هجوم ضدّ فنزويلا تحت راية كاذبة». ومنذ الثاني من أيلول الماضي، شنّت القوات الأميركية 10 غارات على قوارب في الكاريبي والمحيط الهادئ، بزعم نقلها مخدّرات، ما أسفر عن مقتل ما لا يقلّ عن 43 شخصاً.

على الجبهة الأخرى، مع كولومبيا، التي تحوّلت من أوثق حليف إقليمي لواشنطن، إلى هدف آخر لإستراتيجية «حرب الناركو»، أعلن السيناتور الجمهوري البارز، ليندسي غراهام، في برنامج «واجه الأمّة» على شبكة «سي بي إس»، أن ترامب يعتزم إحاطة الكونغرس في شأن «عمليات عسكرية مستقبلية محتملة ضدّ فنزويلا وكولومبيا». وجاءت هذه التصريحات في موازاة فرض وزارة الخزانة الأميركية، عقوبات غير مسبوقة على الرئيس الكولومبي غوستافو بيترو، وزوجته وابنه.

لكن، في قلب هذا التصعيد، تتّسع أزمة قانونية عميقة داخل واشنطن حول شرعية العمليات العسكرية التي تنفّذها الإدارة الأميركية ضدّ القوارب في البحر الكاريبي، والتي راح ضحيتها مواطنون فنزويليون وكولومبيون؛ إذ، وفيما يزعم البيت الأبيض بأن هذه الضربات «قانونية»، لأنها تستهدف «إرهابيين من مهرّبي المخدرات»، وبأن الولايات المتحدة في «نزاع مسلّح» مع الكارتيلات، يقول خبراء تشريع إن في ذلك تجاهلاً تامّاً للعملية القانونية.

فبدلاً من صياغة مذكرات قانونية مفصّلة (كما فعلت إدارتا بوش وأوباما لتبرير «التعذيب» أو «الاغتيالات بالطائرات من دون طيار»)، تتبع إدارة ترامب نهجاً من جزأين: الأول، يصدر الرئيس «قراراً» بأن حالة واقعية معينة موجودة (مثل: «نحن في نزاع مسلّح مع الكارتيلات»)؛ والثاني، يُمنع محامو الفرع التنفيذي من التشكيك في هذا «القرار» الرئاسي. ويخلق ما تقدّم، «فراغاً قانونيّاً» يسمح للرئيس بصلاحية تعريف الجريمة (تهريب المخدرات) كعمل من أعمال الحرب، وتحويل المشتبه فيهم من مجرمين (لهم حقوق إجرائية)، إلى مقاتلين أعداء (يمكن قتلهم فوراً).

وإلى الديموقراطيين، ثمّة جمهوريون بارزون، أمثال السيناتور راند بول، رئيس «لجنة الأمن الداخلي» في مجلس الشيوخ، يعارضون هذه السياسة بشدّة؛ إذ قال، في حديث إلى شبكة «إن بي سي»: «عندما توقف الناس في البحر… فأنت تعلن أنك ستصعد على متن السفينة للبحث عن ممنوعات… نحن نعلم، من إحصاءات خفر السواحل، أنه في حوالى 25% من الحالات التي يصعد فيها خفر السواحل إلى السفن، لا يجدون مخدّرات. فإذا كانت سياستنا الآن هي تفجير كل سفينة نشتبه فيها… يصبح هذا عالماً غريباً، 25% ممَّن يُقتلون فيه، أبرياء».

لا يمكن الولايات المتحدة الحفاظ على هذا المستوى من التأهّب العسكري إلى أجل غير مسمى

ووفقاً لتقرير السنة المالية 2024 لخفر السواحل الأميركي (الذي يغطي حتى أيلول 2024)، فإن نسبة نجاح عمليات الصعود والتفتيش (العثور على مخدرات) كانت 73%، ما يعني أن 27% من عمليات الاعتراض كانت بريئة. ومع مقتل أكثر من 43 شخصاً، حتى الآن، من دون تقديم دليل واحد على وجود مخدرات على متن القوارب المدمّرة، يتحوّل هذا الإحصاء من أرقام إلى مأساة إنسانية تامّة.

كذلك، تكشف مصادر متعدّدة أن ذريعة «المخدرات» التي تُلصقها واشنطن بفنزويلا تنهار بأكملها عند التدقيق؛ فوكالات تقصّي الحقائق، من مثل «بوليتي فاكت»، وخبراء مكافحة المخدرات الأميركيين، يؤكدون أن الغالبية العظمى من الفنتانيل القاتل في أميركا تأتي من المكسيك، وليس فنزويلا، فيما الكوكايين (الذي يأتي من أميركا الجنوبية)، لا يمثّل سوى جزء ضئيل من وفيات الجرعات الزائدة مقارنة بالفنتانيل. أمّا ادّعاء ترامب بأن كل ضربة تنقذ «25,000 حياة أميركية»، فقد تم تصنيفه كـ«كذب بواح».

وهكذا، فإن هشاشة ذريعة المخدرات، وانعدام الأساس القانوني للعدوان الأميركي، توازياً مع الحشد العسكري الضخم – 6,500 جندي وبحار، حاملة طائرات، غواصة نووية، قاذفات إستراتيجية، وطائرات «إف-35» – تشير إلى توجّه صريح لإسقاط نظام الرئيس نيكولاس مادورو، بوصفه عقبة أمام الاستحواذ على موارد فنزويلا الطبيعية الهائلة من النفط – أكبر مخزون مؤكد في العالم – والذهب والمعادن النادرة.

على أن الخبراء يميلون إلى التشكيك في عزم واشنطن الآن على تنفيذ غزو مباشر لفنزويلا على نموذج تدخّلها في بنما عام 1989 – فبنما دولة صغيرة (3 ملايين نسمة) توجد فيها قواعد أميركية، بينما فنزويلا دولة شاسعة (30 مليون نسمة) وجيشها، رغم سوء جاهزيته، لا يزال متماسكاً، إضافة إلى وجود ميليشيات شعبية مليونية -، ويشدّدون على أن الهدف الحقيقي لهذا الاستعراض العسكري، هو القادة في الجيش الفنزويلي، ضمن حرب نفسية مصمَّمة لإقناع الدائرة المقرّبة من مادورو بأن البقاء في السلطة سيكلفهم حياتهم، وأن الغزو وشيك.

وتراهن واشنطن على أن الضغط العسكري الساحق، المقرون بعمليات سرية للاستخبارات الأميركية، سيجعل قادة الجيش الفنزويلي يعتقدون بأن «التخلّص من مادورو» هو الخيار الأفضل لنجاتهم الشخصية، ولتجنُّب تدمير البلاد.

هذا الرهان، ورغم أنه أقلّ كلفة من الغزو المباشر، يظلّ محفوفاً بالمخاطر، إذ يمكن أن يتحوّل إلى حرب أهلية تتسبّب بفوضى واسعة في الإقليم، وهو ما حذّر منه مسؤول برازيلي رفيع، بقوله إن «(اضطراباً في فنزويلا) سيشعل أميركا الجنوبية، ويؤدّي إلى تطرّف السياسة في القارة بأكملها».

عملياتيّاً، لا يمكن الولايات المتحدة الحفاظ على هذا المستوى من التأهّب العسكري إلى أجل غير مسمى، خاصّة مع اقتراب موسم الأعاصير. ويبدو أن واشنطن تراهن على أن الجيش الفنزويلي «سينكسر» أولاً تحت الضغط النفسي، قبل أن تضطرّ هي إلى سحب قطعها البحرية. لكن، إذا لم يحدث هذا الانقلاب، فإن خطر وقوع حادث عرضي أو سوء تقدير يظلّ قائماً، ما قد يفتح بوابة صراعٍ ستكون عواقبه كارثية على المنطقة بأسرها.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى