أميركا بوابة الغاز… وبوابة البقاء
كتب نبيه البرجي في “الديار”:
ربما نكون وصلنا، أو لقد وصلنا فعلاً، الى تلك النقطة : ليس فقط اما أميركا أو لا غاز، اما أميركا أو لا بقاء. هذه، أيضاً باتت قناعة الاليزيه، كما هي قناعة الفاتيكان.
وحيدون، عراة في هذا العراء. روسيا قالت صراحة أنها لا تخطط للحلول محل أميركا (التي قال ريجيس دوبريه يبدو أنها حلت محل الله في ادارة العالم). وها أن فلاديمير بوتين يتعايش على أرض سوريا التي تعني، بالنسبة اليه ما تعنيه، بين الهيستيريا التركية والهستيريا «الاسرائيلية».
لا أحد يراهن على الصين (الرهان الكاريكاتوري) سوى ببغاءات الشاشات. التنين ينتهج سياسة التسلل، وغالباً على رؤوس الأصابع، أو من الأبواب الخلفية.
ماذا عن ايران؟ بالاضافة الى أن الحصار الأميركي أنهكها اقتصادياً، ثمة فئات لبنانية ترى فيها سبب الخراب الذي أدى الى تقويض «المعجزة اللبنانية».
بكل معنى الكلمة، لبنان أمام خيارات وجودية. السيد حسن نصرالله، وهو ابن هذه الأرض، وابن هذه الآلام، يعي ذلك جيداً. ما يعنيه من مسألة ترسيم الحدود البحرية التي اعتبرها من مهمات، وصلاحيات الدولة، عدم وجود أي نص ملتبس، أو مفخخ، يمكن أن يستغل من قبل أي طرف، لاستدراج لبنان الى دومينو التطبيع.
يعي أيضاً أن الحرب الأهلية ليست ذات وجه واحد، الوجه العسكري. التصدع الداخلي، وحيث التعبئة المنهجية للكراهية، وللانغلاق، أخذ ذلك المنحى الدراماتيكي الخطير داخل دولة تعيش أقصى حالات الهلهلة السياسية، والهلهلة الاقتصادية.
في هذا المناخ، أتانا آموس هوكشتاين على حصان أبيض. هو يعلم مدى الاختلال في التوازن بين «الحالة الاسرائيلية» والحالة اللبنانية. «الاسرائيليون» بالنفوذ الأخطبوطي داخل الاستبلشمانت، وبالنشاطات التي يقومون فيها، ومن نيقوسيا الى أثينا، وصولاً الى أنقرة، من أجل اقامة مشاريع مشتركة لتسويق الغاز ان في اتجاه أوروبا وأفريقيا، أو في اتجاه الهند والصين واليابان.
في حال الرهان على القانون الدولي، حين يتعلق الأمر ب «اسرائيل» كما الصياد الذي ينشر شبكته في الصحراء.
هذا بالاضافة الى أن أغلب التسويات التي عقدت حول النزاعات البحرية اعتمدت على التنازلات المتبادلة. وهذا ما تسعى اليه واشنطن، التي يبدو واضحاً أنها تخلت عن فكرة فريديريك هوف التي تعتبر أن التداخل الجيولوجي بين لبنان و»اسرائيل»، يفترض، وفقاً لمنطق الأشياء»، التداخل الجيوستراتيجي بين الجانبين».
أوراق القوة التي بيد «اسرائيل»، لا تعني، في أي حال، غياب أوراق الضعف. هوكشتاين يدرك، كما المراجع العليا في واشنطن، أن منصة الغاز «الاسرائيلية» في مرمى صواريخ حزب الله. المسألة لا تقتصر على تكلفة المنصة التي تعادل تكلفة بناء أربع حاملات طائرات، وانما لأن حكومة نفتالي بينيت، شأنها شأن حكومة بنيامين نتنياهو، تخطط لتكون «اسرائيل» المحطة المركزية للنفط من تركيا الى مصر، ومن اليونان الى قبرص.
في ضوء ما تناهى الينا من كلام الوسيط الأميركي، قد يصدم الكثيرين الذين يغفلون الواقع الجهنمي الذي يعيشه اللبنانيون، قولنا بالبراغماتية التي لا تعني، قطعاً، أي شكل من أشكال التماس بين لبنان و»اسرائيل».
الكلام الأميركي لا يقبل التأويل. لبنان مهدد بالموت اذا لم تحل مشكلة الغاز. هل نحن في دولة تقف على قدميها، وحتى على ساق واحدة، اذا كانت عاجزة حتى معالجة أزمة القمامة التي بدأت تتكدس على الأرصفة. هنا ليست رقصة الفالس مع الفراشات. رقصة الفالس مع الجرذان.
تريدون الدليل الصارخ على دولة الاهمال، ودولة الغباء، ودولة التواطؤ، وفي المشكلة الراهنة بالذات ؟ في 17 آب 2011 صدرت مسودة التقرير الذي وضعته المؤسسة البريطانية (UKho) ، المكلفة من قبل الحكومة اللبنانية تعيين الحدود البحرية للبنان، التقرير يقول بالانطلاق من رأس الناقورة (الخط 29 ). أي يد خفية ألقت التقرير في سلة المهملات، ليصدر في الأول من تشرين الأول المرسوم 6433 الذي كرّس الخط 23؟
لكنها سياسة الطرابيش الفارغة التي أوصلتنا الى القاع. ما يعنينا ألا يكون الحل مدخلاً الى أي نوع من التطبيع. وليخرج هذا الملف المصيري من الثلاجة…