رأي

أميركا… الناخبون وترمب

كتب نوح ميلمان في نيويورك تايمز.

رافق نقاش محتدم قرارَ المحكمة العليا بمراجعة قرار أعلى محكمة في كولورادو بمنع دونالد ترمب من الترشح في الانتخابات التمهيدية الرئاسية للولاية، استناداً إلى البند الثالث من التعديل الرابع عشر لدستور الولايات المتحدة، وكان النقاش حول المعنى الدقيق لكلمة «تمرد»، ومدى مسؤولية ترمب عن أحداث 6 يناير (كانون الثاني) وغير ذلك من المسائل القانونية.

لست الآن بصدد توقع حكم المحكمة العليا، أو ما إذا كان حكمها مقنعاً لمن يتبنون وجهة نظر قانونية مختلفة. ولكن هناك تساؤل فلسفي حاسم يكمن خلف الأسئلة القانونية لهذه القضية. في التمثيل الديمقراطي، يكون الشعب هو صاحب السيادة، ويعبر عن سيادته من خلال ممثلين يختارهم. فإذا رأت المحاكم أن ترفض بشكل استباقي اختيار الشعب، فمن صاحب السيادة الحقيقية إذن؟

مسألة السيادة كانت جوهرية لمسألة التعديل الرابع عشر في المقام الأول. فالحرب الأهلية – وهي بلا شك تمرد مسلح – دخلتها البلاد بسبب العبودية، وكان هذا هو سبب الحرب.

لكن تبرير الحرب الأهلية كان مثاراً للنزاع على السيادة، إذ أثارت سؤالاً عما إذا كانت الحرب قد اشتعلت بالأساس، من خلال سكان بعض الولايات المفردة، أم من خلال شعب الولايات المتحدة كله الذي وضع الدستور.

ساحة المعركة هي من حددت الإجابة، وجرى التصديق عليها من خلال التعديل الرابع عشر، الذي حدد من هو مواطن الولايات المتحدة وأثبت أن «الامتيازات أو الحصانات» الممنوحة للمواطن تحل محل أي قوانين للولايات قد تتجاوزها. ولذلك من الآن فصاعداً، لن يكون هناك أي غموض في هذا الصدد. بموجب الدستور، يتمتع شعب الولايات المتحدة بالسيادة، وهذه السيادة تحل محل سيادة سكان الولايات المفردة حال تعارضت امتيازات وحصانات الشعب الأميركي مع امتيازات وحصانات سكان الولايات المفردة.

سُنَّ البند الثالث من هذا التعديل بالصورة نفسها بُغية تأمين السيادة الفيدرالية. ربما احتفظ الضباط المتمردون بدعم شعبي قوي في الولايات الكونفدرالية السابقة، لكن البند الثالث منع التمرد من الاستمرار بالوسائل الانتخابية. قد يفضل سكان ولاية كارولينا الجنوبية أن يمثلها متمردون سابقون، لكن شعب الولايات المتحدة، الذي تفوق سيادته سيادة كارولينا، يمنع ذلك.

ولكن، سيادة من هي التي تُفرض على الشعب بأسره؟

دونالد ترمب هو المرشح الأوفر حظاً للفوز بترشيح الحزب الجمهوري للرئاسة، ولديه فرص متساوية مع غيره للفوز في الانتخابات العامة. يبدو أنَّ هذا ليس له تأثير على أهليته للترشح. إذا أرادت غالبية البلاد أن يكون باراك أوباما، أو أرنولد شوارزنيغر، أو سيلينا غوميز، رئيساً، فلن يحالفهم الحظ. فالدستور يعدهم غير مؤهلين: فقد تم انتخاب أوباما بالفعل مرتين، وشوارزنيغر ليس مواطناً أميركي المولد، والسيدة غوميز سنها دون 35 عاماً.

لهذه الأسباب خاصة، من غير المحتمل أن يترشح أي من هؤلاء، وإذا حاولوا الترشح، فسيكون عدم أهليتهم أمراً واضحاً للجميع. وبالمثل، فإن الضباط والمسؤولين الكونفدراليين السابقين، من خلال الخدمة في الكونفدرالية، أعلنوا صراحة عن تمردهم. فقد أقر الكونغرس عفواً واسعاً عام 1872 لرفع العقوبات المرتبطة بتورط غالبيتهم في التمرد، بما في ذلك تلك التي فرضها البند الثالث من التعديل الرابع عشر، ونجح بعض الأفراد غير المشمولين بالعفو في تقديم التماس لاستعادة حقوقهم المدنية، وفي حالات أخرى لم يدخل الحظر حيز التنفيذ. لكن الحقيقة الأساسية هي أن المشاركة في التمرد لم تكن موضع خلاف.

حالة ترمب لا تختلف كثيراً، إذ إنَّ الغالبية العظمى من حزبه، وقد تكون نصف البلاد تقريباً، تراه مؤهلاً ليكون رئيساً مرة أخرى. علاوة على ذلك، يصدق هؤلاء الناخبون هذا على الرغم من تصريح الرئيس بايدن الأخير الذي قال فيه: «رأينا بأعيننا» ما حدث في 6 يناير.

أعد نفسي أحد أولئك الذين يرون ترمب غير لائق بشكل واضح للخدمة في أي منصب مرة أخرى، حتى لو لم يُوجه له اتهام جنائي. لكن كونك غير لائق ليس ككونك غير مؤهل للترشح. ما الذي يجعل المحكمة العليا في كولورادو، أو أي محكمة أخرى، ترى أن لديها تصوراً مميزاً لتلك الأحداث يتجاوز فهم الجماهير وقدرتها على التمييز؟

ربما يكون الرأي العام مضللاً، أو يرفض أن يسمح لنفسه بأن يكون مطلعاً بدقة – حتى في هذا التوقيت المتأخر – على ما حدث. والحاجة إلى الخبرة والتأني هي السبب في أن لدينا ديمقراطية تمثيلية؛ فالشعب لا يتصرف مباشرة لسن القوانين، بل يتصرَّف من خلال ممثليه.

ومن الجدير بالملاحظة في هذا الصدد، أنَّ العزل – العلاج الذي ينص عليه الدستور للرئيس الذي ينتهك يمين منصبه – لا يشمل المحاكم وإنما الشعب، من خلال ممثليه. وقد أتيحت لمحكمة الشعب بالفعل الفرصة للتأثير على مسؤولية ترمب عن أحداث 6 يناير، وبالفعل تم عزله للمرة الثانية بشكل غير مسبوق من قبل مجلس النواب بسبب أفعاله في ذلك اليوم. ولكن في المحاكمة التي تلت ذلك في مجلس الشيوخ، جاءت تبرئة ترمب.

وهذا لا يعني أنه بريء، ولا يعني أيضاً أن المحكمة العليا في كولورادو قد أعلنت أنَّها أعلى مرتبة من مجلس الشيوخ وأن بإمكانها نقض قرار تلك الهيئة.

بعض أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين، بما في ذلك زعيم الأقلية، ميتش ماكونيل، طلبوا فعلياً من المحاكم القيام بذلك خلال مناقشة العزل من المنصب. وبدعوى أنه ليس لديهم سلطة لمحاكمة رئيس انتهت فترة ولايته، رفضت المحاكم النظر في وقائع القضية. لكن هذا لم يكن وجهة نظر مبدئية، فقد كان مجلس الشيوخ قد صوت بالفعل بشكل منفصل على مسألة الاختصاص، وقررت الأغلبية أن لديها القدرة على محاكمة رئيس انتهت ولايته. وبمجرد تسوية القضية من قبل مجلس الشيوخ نفسه، فإن أعضاء مجلس الشيوخ الذين رأوا ترمب مذنباً – بمن في ذلك أولئك الذين صوتوا عكس ذلك على مسألة الاختصاص القضائي – أمكنهم التصويت بحرية وبحسب ما أملته عليهم ضمائرهم بشأن هذه المسألة في المحاكمة.

ونظراً لأنَّ أعضاء مجلس الشيوخ ما زالوا يصوتون للبراءة، فإنَّ السبب في ذلك لا يرجع إلى كونهم لم يروه مذنباً، أو أنَّه لا يستحق العقاب على ذنبه، لكن ربما لأنَّهم لم يرغبوا في تحمل مسؤولية إدانته وفضلوا أن تتحمل المحاكم تلك المسؤولية بدلاً منهم.

وهذا بالضبط ما قررت محكمة كولورادو العليا القيام به، ولكنَّها بذلك تكون قد اغتصبت الحق المناسب للشعب. فهي تقول، في العديد من الكلمات، إن ممثلي الشعب أخطأوا في فهم القضية في محاكمة الاتهام بالتقصير، وإن الناس أنفسهم غير قادرين على رؤية ما هو أمام أعينهم. ولذلك يجب على المحكمة أن تنقذ الشعب من إمكانية اتخاذ قرار خاطئ بشكل كارثي.

ولا يمكن إنقاذ الديمقراطية بهذه الطريقة، ولا حتى من تهديد الغوغائيين الذين يحتقرون سيادة القانون. إذ لا يمكن إنقاذها إلا بالوسائل الديمقراطية. إذا فشل ممثلو الشعب في أداء واجبهم، كما فعلوا في محاكمة عزل السيد ترمب، فإنَّ خط الدفاع الأخير عن الديمقراطية هو الشعب صاحب السيادة نفسه. وعند النقطة التي لا نستطيع عندها أن نثق بهم، تصير الديمقراطية ميتة بالفعل.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى