رأي

أمن الخليج بين التكامل والردع الذكي

كتب علي عبيد الهاملي في صحيفة البيان.

في خضم ما تشهده المنطقة من تطورات متسارعة، وتصعيد متنامٍ في التهديدات التقليدية وغير التقليدية، تتأكد الحاجة إلى رؤية خليجية شاملة للأمن الإقليمي، لا تنطلق من ردود الأفعال الآنية، بل من تخطيط استراتيجي بعيد المدى، يضع مصلحة الخليج ووحدته في صدارة الأولويات.

هذه الرؤية تبدأ من تعميق التكامل الدفاعي والأمني بين دول مجلس التعاون الخليجي، عبر تفعيل منظومة الدفاع المشترك، وجعل تبادل المعلومات الاستخباراتية آنيّاً وفعّالاً، بما يتيح الاستجابة المبكرة لأي خطر، إلى جانب تعزيز التحالفات الإقليمية والدولية مع القوى الكبرى، على أسسٍ تعيد تعريف شروط الشراكة، بحيث تراعي أمن الخليج ومصالحه أولاً، وتضع خطوطاً حمراءَ واضحةً لأي مساسٍ بالسيادة أو الاستقرار الداخلي.

الأمن الخليجي اليوم يواجه طيفاً واسعاً من التحديات، من بينها التهديدات السيبرانية التي تستهدف البنية التحتية الحيوية، وحروب الطائرات المسيّرة، التي باتت سلاحاً منخفض التكلفة عالي التأثير، إضافة إلى التدخل الإعلامي والمعلوماتي الموجّه لزعزعة الجبهة الداخلية.

وهناك أيضاً الاستقطاب الإقليمي والدولي، الذي قد ينعكس على الوضع في المنطقة، خاصة في ظل تباين الأولويات السياسية، والتحولات في الموقف الأمريكي، الذي يميل إلى تقليص التدخل المباشر، وهو ما يفرض على دول الخليج أن تعتمد أكثر على ذاتها في إدارة أمنها. ولا يمكن إغفال التهديدات المرتبطة بالممرات البحرية الاستراتيجية، مثل مضيق هرمز وباب المندب.

حيث يظل تأمين هذه الممرات أولوية قصوى، إلى جانب إدراج الأمن الغذائي والمائي في مفهوم الأمن الشامل، بعد أن أثبتت الأزمات العالمية أن الأمن لم يعد عسكرياً فقط، بل يشمل مقومات الحياة الأساسية.

خيارات الردع الاستراتيجي كثيرة ومتعددة، لكن الفعالية الحقيقية، تكمن في المزج بين القوة الصلبة والمرونة السياسية. بناء قدرات دفاعية ذاتية متطورة، هو حجر الزاوية.

ويشمل ذلك تعزيز الصناعات العسكرية المحلية، وتطوير تقنيات الدفاع الجوي والصاروخي، والطائرات بدون طيار، مع تبنّي استراتيجية «الردع الذكي»، التي توظف القوة العسكرية، إلى جانب القدرات التكنولوجية والاقتصادية والدبلوماسية.

توسيع الشراكات الدفاعية والتدريبات المشتركة مع القوى الدولية والإقليمية، يشكل بدوره رسالة واضحة للخصوم، بأن أمن الخليج ليس شأناً محلياً فحسب، بل هو جزء من استقرار النظام الدولي.

كما أن الحضور الفاعل في المنصات الدولية، وتبنّي مواقف موحدة، يزيد من ثقل الموقف الخليجي، ويعزز صورة الجبهة الداخلية الصلبة.

ولا بد من استثمار الأمن الاقتصادي والتنموي كأداة ردع، فالاستقرار والنمو يجعلان أي تهديد للمنطقة مكلفاً، ليس عسكرياً فقط، بل اقتصادياً أيضاً، على المدى القريب والبعيد.

وهنا يأتي دور المشاريع التنموية الكبرى، وتنويع مصادر الدخل، وربط الاقتصاد الخليجي بالشبكات العالمية، لتصبح مصلحة المنطقة في الاستقرار جزءاً من مصلحة العالم.

لقد أثبتت حادثة انتهاك إيران لسيادة دولة قطر، إبان حرب الاثني عشر يوماً مع إسرائيل في يونيو 2025، أن الأمن الخليجي المشترك ليس شعاراً يرفع في البيانات والمؤتمرات، بل هو واقعٌ يمكن أن يتحرك على الأرض عند الضرورة.

ففي تلك اللحظة الحساسة، تجلت وحدة الموقف الخليجي في أوضح صورها، حيث أدركت دول المجلس أن المساس بسيادة أي عضو من أعضائه هو مساسٌ بالجميع، وأن الرد يجب أن يكون جماعياً وحاسماً.

زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، لدولة قطر، بعد يوم واحد من حادثة الانتهاك تلك، جسّدت وحدة الصف الخليجي وتماسك بنيانه.

ورسمت صورة رائعة للُّحْمَة الخليجية القوية، وبعثت رسالة ردعٍ واضحة، مفادها أن الخليج جبهة واحدة أمام التهديدات الخارجية، وأن تماسكه هو خط الدفاع الأول عن استقراره وسيادته وأمن شعوبه.

إن مستقبل أمن الخليج لن يُصان بالخيار العسكري وحده، ولا بالرهان على التحالفات فقط، بل بمزيج متوازن من التكامل الداخلي، والقدرة على الردع، والانفتاح المدروس على الحوار، مع وضوحٍ تامٍ في الخطوط الحمراء. فالقوة بلا وحدة تُهدر، والوحدة بلا قوة تُستَضعف.

الخليج القوي، هو الخليج الموحّد، والخليج الموحّد، هو الخليج الآمن. من لا يملك قراره الأمني، لن يملك قراره السياسي، ومن لا يملك قراره السياسي، لن يملك مستقبله.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى