أمطار الخريف في موريتانيا تجري بعكس ما يتمنى المواطنون
تسببت أمطار خريفية هطلت على موريتانيا، خلال أغسطس/آب المنصرم، في خسائر بشرية ومادية، فيما شردت آلاف العائلات بالعديد من المدن، خصوصا في العاصمة نواكشوط، ومدينة كيهيدي (جنوب).
ووفق معطيات حكومية، تسببت السيول والأمطار، منذ بداية أغسطس، في وفاة 22 شخصا في سبع ولايات، كما تسببت في سقوط مئات المنازل وتشريد آلاف العائلات.
وغمرت مياه الأمطار أحياء بكاملها في نواكشوط، وتسببت في إغلاق طرق رئيسية ما أثر بشكل كبير على حركة المرور في المدينة، التي يسكنها ثلث سكان البلاد، البالغ عددهم نحو أربعة ملايين نسمة.
الأمطار الغزيرة
وانتشرت برك مياه الأمطار أمام منازل ومحال تجارية ومبان حكومية في العديد من أحياء العاصمة.
وفي كيهيدي، غمرت مياه الأمطار أحياء وساحات وشوارع رئيسية، وتدخل الجيش لإجلاء مئات العائلات إلى مدارس المدينة بعد أن باغتتهم السيول.
وفي مدينة النبيكة (وسط) تسببت الأمطار في تشريد مئات العائلات وقطع طرق رئيسية.
فيما تحدثت السلطات عن تأثر مئات القرى بالسيول الناجمة عن الأمطار الغزيرة، التي تهاطلت على البلاد خلال أغسطس/آب.
وعلى مدى الأسابيع الماضية، وجه عدد من سكان المدن والأحياء المنكوبة، مناشدات من أجل اتخاذ إجراءات لشفط مياه الأمطار التي تحاصر منازلهم، وتقديم مساعدات لهم.
وقال الخليفة ولد محمد، من سكان مقاطعة دار النعيم في نواكشوط، «منزلنا تحاصره مياه الأمطار منذ نحو أسبوع».
وأضاف «البعوض منتشر، والجميع معرض للأمراض بفعل هذه البرك المائية التي تحاصر المنزل، السلطات لم تقدم لنا أي دعم».
فيما طالب سيدي ولد إبراهيم، من سكان مقاطعة دار النعيم في نواكشوط، السلطات بتقديم مساعدات للسكان.
ولفت ولد إبراهيم، إلى أن «الكثير من الأسر تضررت منازلها بشكل كبير، ولم تتلق أي دعم حكومي».
وتابع «نحتاج مواد غذائية وأفرشة، وقبل ذلك كله نحتاج إزالة هذه البرك المائية التي تحاصر منازلنا».
الحكومة من جهتها استنفرت جهودها من أجل مساعدة المدن التي تجتاحها السيول، واعتمدت خطة لشفط المياه بشكل خاص عن نواكشوط.
وقال وزير المياه والصرف الصحي سيدى محمد ولد الطالب أعمر، إن «الخطة الجديدة تعمل على تقوية وتعزيز مختلف آليات التدخل لشفط المياه عن نواكشوط».
ولفت في تصريح للصحافيين في 26 أغسطس/آب، إلى أن عمليات شفط المياه عن نواكشوط تشارك فيها «المندوبية العامة للأمن المدني وتسيير الأزمات (حكومية)، والمكتب الوطني للصرف الصحي (حكومي)».
وأضاف أن العمل سيتواصل ليلا ونهارا حتى يتم التخلص من «المياه التي خلفتها التساقطات المطرية الأخيرة، وإعادة الحياة في مختلف أحياء العاصمة إلى طبيعتها».
وشدد وزير المياه والصرف الصحي، على أن الحكومة «لن تدخر أي جهد في التخفيف من معاناة المواطنين في هذه الظرفية الخاصة». وأشرفت السلطات على توزيع مواد غذائية وأفرشة على آلاف العائلات المتضررة جراء السيول والأمطار في عدد من المدن، بينها كيهيدي، وانبيكة، فضلا عن نواكشوط.
وفي 31 أغسطس/آب، أرسلت الجزائر طائرتين عسكرتين محملتين بالمساعدات الإنسانية إلى موريتانيا، لدعمها في مواجهة الفيضانات، وتضمنت مولدات كهربائية، ومضخات لشفط مياه الأمطار، بالإضافة إلى خيم وألبسة، ومواد غذائية، بحسب وكالة «الأخبار» الموريتانية.
المعارضة انتقدت ما وصفته بالأداء الضعيف للحكومة بخصوص تعاملها مع أزمة السيول والأمطار.
رئيس حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية (إسلامي) محمد محمود ولد سيدي، قال إن «مجموعة كبيرة من المدن والقرى غارقة، وتعرضت لموجة غير مسبوقة من السيول والأمطار».
الجوع والأمراض
وفي مؤتمر صحافي عقده في 27 أغسطس، اعتبر ولد سيدي، أنه «بات واضحا أن أجهزة الدولة لم تكن جاهزة، رغم أن المختصين في الأرصاد تحدثوا ونبهوا وحذروا وطالبوا بالتهيئة لهذه الأمطار».
وأضاف «آلاف الأسر مشردة، وآلاف الأفراد يبيتون في الشوارع يعانون البعوض والجوع والأمراض، والحكومة غائبة، للأسف هناك حالة تطبيع مع التقصير».
ووجه رئيس الحزب الإسلامي، نداء لمناضلي ومنتخبي وقيادة حزبه وجميع المنظمات ورجال الأعمال وأطر البلاد من أجل التحرك لمساعدة المتضررين جراء الأمطار في جميع مدن وقرى البلد. الأمطار الغزيرة التي تهاطلت على البلاد أعادت أزمة الصرف الصحي في نواكشوط إلى الواجهة من جديد، حيث تصاعدت الدعوات بضرورة العمل سريعا من أجل إنشاء شبكة صرف صحي في المدينة. وتعاني نواكشوط، منذ تأسيسها في خمسينات القرن الماضي، من غياب شبه كامل لشبكات الصرف الصحي، وتصريف مياه الأمطار والمستنقعات والبرك الناجمة في معظمها عن أمطار موسم الخريف.
وفي 2019، أعلنت الحكومة أنها أجرت دراسات لوضع مخطط للصرف الصحي في نواكشوط، تصل تكلفتها إلى 262 مليون دولار، فيما لا تتوفر معطيات عن تقدم الأشغال في المشروع.
وتتزايد المخاوف على نحو مطرد، من احتمال تعرض مناطق وأحياء واسعة من نواكشوط للغرق، بفعل التغيرات المناخية.
وتأسست نواكشوط، أواخر خمسينات القرن الماضي، حيث وضع المختار ولد داداه، أول رئيس لموريتانيا (1960- 1978) إلى جانب الرئيس الفرنسي حينها شارل ديغول (1958-1969) حجر الأساس للعاصمة في 5 مارس/ آذار 1958، أي قبل سنتين من إعلان استقلال البلاد عن الاستعمار الفرنسي عام 1960.
ومنتصف السبعينيات، نزح سكان الكثير من القرى والأرياف نحو نواكشوط، إثر موجات الجفاف التي ضربت أنحاء واسعة من البلاد، وذلك بحثا عن مصدر دخل بعدما فقدَ كثيرون مواشيهم بفعل سنوات الجفاف.
وفي الوقت الحالي يسكن نواكشوط ربع سكان موريتانيا، البالغ عددهم نحو 4 ملايين نسمة، وفق تقديرات رسمية.
وتقع أغلب أحياء العاصمة تحت مستوى مياه المحيط الأطلسي الذي يحدها من جهة الغرب.
المصدر: الاناضول