ألمانيا تلوح للعشائر الإجرامية بسلاح الترحيل.
في نهاية حزيران/يونيو الماضي، اندلعت مشاجرات جماعية في منطقة الرور، غرب ألمانيا، بين عائلات سورية ولبنانية. وفي نهاية شهر أيار/مايو، صدر الحكم ضد ستة أفراد من عشيرة معروفة بعد إدانتهم بسرقة مجوهرات تزيد قيمتها عن 100 مليون يورو من متحف القبو الأخضر في مدينة دريسدن. وفي برلين، استمرت دعوى قضائية بشبهة الابتزاز بحق مغني راب شهير لأكثر من 100 يوم.
تتصدر جرائم العشائر عناوين الصحف، ولهذا جاء في مقدمة تقارير حديثة لوسائل إعلام بشأن جرائم العشائر في أكبر ولاية في ألمانية، شمال الراين-فستفاليا: “السلوك الإجرامي لأفراد العشائر التركية-العربية هو قضية رأي عام، وبالتالي له أهمية سياسية بالإضافة إلى أهميته الجنائية “.
وهذه الأهمية السياسية دفعت بأحزاب الائتلاف الحاكم، الحزب الاشتراكي الديمقراطي (يسار الوسط) والحزب الديمقراطي الحر (الليبرالي) وحزب الخضر، إلى تضمين اتفاق تشكيل الائتلاف فقرة تشدد على ضرورة مكافحة تلك الجرائم.
وزادت أهمية الملف في الوقت الحالي قبل أسابيع من انتخابات برلماني ولايتي هيسن وبافاريا في تشرين الأول/أكتوبر. يتزامن ذلك مع تصاعد شعبية حزب “البديل من أجل ألمانيا”، الشعبوي اليميني في استطلاعات الرأي. وحسب آخر استطلاع رأي سيحصل الحزب على 21٪ من الأصوات لو جرت الانتخابات التشريعية في عموم ألمانيا الآن.
ترحيل جماعي؟
في ألمانيا تتصدر وزيرة الداخلية الاتحادية نانسي فيزر عناوين الصحف هذه الأيام لأنها تخطط على ما يبدو لترحيل أقارب العشائر والعائلات الإجرامية، حتى لو لم يثبت ارتكاب أولئك الأفراد لأي جريمة. ورد عزمها ذلك في مسودة وثيقة نُشرت في بداية شهر آب/أغسطس.
وجاء في الصفحة 18 من الوثيقة المكونة من 35 صفحة: “حتى الآن، يسمح القانون بالترحيل في حال ثبوت إدانة أحد أفراد عصابات الجريمة المنظمة بجريمة جنائية (…) يتعين أن ينتهي ذلك ويصبح الأمر مشابهاً لوضع المنتمين للمنظمات الإرهابية”.
وقال المتحدث باسم وزارة الداخلية الاتحادية، ماكسيميليان كال، الإثنين (السابع من آب/أغسطس 2023)، إنه إذا رأى الاقتراح النور وطبق على أرض الواقع ، فيجب أن يكون الترحيل ممكناً في المستقبل “في حال ثبت أن الشخص المعني عضو أو كان عضواً في منظمة إجرامية”.
وفيما يتعلق بالعشائر الإجرامية، قال المتحدث إن أي فرد من أفراد العشيرة سيتم ترحيله بموجب القانون الجديد يجب أن يكون على صلة بأنشطة إجرامية. ورد المتحدث على الانتقادات بالقول: “مجرد الانتماء لعائلة (أو عشيرة إجرامية) ليس نشاطاً إجرامياً (بحد ذاته)”.
كيف تتعامل السياسة الألمانية مع عنف العشائر العربية؟
ماذا وراء مصطلح “الجريمة العشائرية”؟
منذ عام 2018، يقوم “مكتب الجريمة الاتحادي” بجمع البيانات الخاصة بجرائم العشائر. ويعرّف المكتب العشيرة بأنها “منظمة اجتماعية غير رسمية تقوم على النسب المشترك لأعضائها، وتتميز ببنية هرمية صارمة وإحساس قوي بالانتماء وفهم مشترك للمعايير والقيم”. وعندما “يشجع الانتماء إلى عشيرة على ارتكاب جريمة أو يعيق التحقيق في الجريمة”، يتحدث “مكتب الشرطة الاتحادي” عن “جريمة العشيرة”.
يميز “مكتب الجريمة الاتحادي” أصل العائلات الممتدة. على رأس الإحصائيات يوجد ما يسمى بالمحلمية-الأكراد من جنوب شرق تركيا ولبنان. تليها مجموعات من أصول تركية وعربية، ومن ثم تلك المنحدرة من غرب البلقان والدول المغاربية.
العائلات والعشائر الإجرامية لا تنشط في جميع أنحاء ألمانيا، ولكنها تركز على ولايات بعينها كشمال الراين-فستفاليا، وساكسونيا السفلى، وبريمن، وبرلين.
“استغلال سياسي”
تنشر ولاية شمال الراين-فستفاليا تقرير حالة جرائم العشائر سنوياً منذ عام 2018. يشير أحدثها من عام 2022 إلى أن نسبة 28 في المائة تقريباً من جرائم العشائر هي “جرائم فجة”: الأذى الجسدي.
وجاء في التقرير: “(في عرف تلك العشار) غالباً ما يُنظر إلى العنف على أنه وسيلة مشروعة لحل النزاع. ومن ناحية أخرى، يعتبر التسامح والاستعداد لتقديم تنازلات في رأي أفراد العشيرة الإجرامية علامة ضعف”. وأشار التقرير إلى شيوع استخدام الأسلحة والأدوات الحادة. وذكر التقرير إلى أن أسبابا تافهة قد تشعل في بعض الأحيان شجارات صاخبة.
أعمال شغب وجريمة منظمة؟ يقول توماس مولر، الباحث في الجريمة المنظمة، في مقابلة مع DW إن الجريمة المنظمة الخطيرة تحدث في الخفاء. حقق توماس مولر في الجريمة المنظمة في بريمن لمدة سبع سنوات، ثم عمل بعد ذلك كمكلف بشؤون الاندماج لدى شرطة بريمن لمدة 10 سنوات.
ولاحظ مولر أن الحرب ضد الجريمة العشائرية يجري استغلالها سياسياً. وفي الوقت نفسه، تأسف “للأضرار الجانبية” لتلك الحرب على الأفراد المنتمين لمجتمعات مشابهة أو يحملون اسماً مشابهاً.
وصمة اجتماعية
في دراسة للخبير السياسي محمود جبالة تعود لكانون الثاني/يناير 2023، يناقض الباحث في الاندماج الصورة المنتشرة للعائلات الإجرامية الممتدة. بعد سبع سنوات من البحث الميداني خرج محمود جبالة بنتيجة مفادها أن الجريمة لا تحدث داخل العشائر الممتدة ككل، ولكن داخل “عائلات فرعية” فيها.
ويضيف الباحث أنه في تلك “العائلات الفرعية” توجد عقلية للتضامن والعمل الجماعي وفي بعض الأحيان أيضاً قادة مركزيون. ويردف أن عدداً قليلاً من أفراد العائلات الممتدة هم من المجرمين ويحاجج بأنه الأمر لم يتوقف عند تسليط ضوء وسائل الإعلام عليهم بشكل غير متناسب؛ بل أنهم هم في الغالب من سعى إلى الأضواء بشكل حثيث.
نشر زعيم عشيرة الزين، محمود الزين، سيرته الذاتية عام 2020 تحت عنوان “عراب برلين”. وفي السيرة يأتي كثيراً على ذكر الشرف والاحترام والقواعد الخاصة وتطبيقها.
يقول جبالة إن معظم أفراد العائلات الممتدة ينتقدون الجريمة. وفوق ذلك فإنهم يعانون من التمييز الاجتماعي، كونه يتم تحمليهم مسؤولية السلوك الإجرامي لبعض أفراد عائلاتهم.
المصدر: DW.