ألمانيا: تعزيز قدرة الجيش والدفاع المدني تحسّبا للحرب

كتبت هيلين وايتل في صحيفة DW.
يقول دانيال شيفر، الخبير في مجال الدريب للبقاء على قيد الحياة إن “الأوقات الصعبة تصنع الأشخاص الأقوياء، والأشخاص الأقوياء يخلقون الأوقات الجيدة، بينما الأوقات الجيدة تُضعف الناس أو تجعلهم سذجًا. وهذا هو واقعنا الحالي.” ويناقش شيفر مدى استعداد ألمانيا للأزمات والحروب داخل البلاد وخارجها، معبرًا عن بعض المخاوف في هذا الصدد.
كان شيفر جندي احتياطي في قوة التدخل السريع الألمانية (KRK)، التي تم حلها، وقد خدم في يوغوسلافيا قبل أن يعمل في وقت لاحق في مكتب الشرطة الجنائية في برلين. اليوم، يدير معسكرات تدريب للبقاء على قيد الحياة وهو مؤلف لدليل إرشادي في هذا المجال. شركته “SurviCamp” تدرب نحو 2000 شخص سنويًا في دورات متنوعة، تتراوح بين عطلات نهاية الأسبوع التي تركز على تعلم مهارات البقاء في البرية الألمانية تحت مختلف الظروف الجوية، إلى أيام تدريبية متخصصة في الحياة البرية، حيث يتعلم المشاركون كيفية ذبح الحيوانات البرية وإشعال النيران بالطرق التقليدية.
ويؤكد شيفر أن هذه المهارات يجب أن تكون جزءًا أساسيًا من الأمن الداخلي، مشيرًا إلى أن ألمانيا يمكنها الاستفادة من تجربة فنلندا، التي يدرب فيها الجيش المدنيين دون الحاجة إلى تحويلهم إلى جنود. في هذا السياق، سعى زعيم الحزب الديمقراطي المسيحي، فريدريش ميرتس، إلى دعم حزب الخضر لتعديلاته على نظام كبح الديون، والتي تتضمن توسيع الإنفاق الدفاعي ليشمل الدفاع المدني وأجهزة الاستخبارات.
تتمثل مهمة هذه القوات في حماية الموانئ، ومرافق السكك الحديدية، ونقاط عبور البضائع في حالات الأزمات أو التهديدات المتزايدة. وتشمل مسؤولياتها أيضًا تأمين خطوط الأنابيب، والطرق المستخدمة لنقل القوات، والجسور، ومراكز النقل والبنية التحتية الرقمية.
ومع تزايد الهجمات الهجينة على البنى التحتية الحيوية مثل المستشفيات، صرح رالف تيسلر، رئيس المكتب الاتحادي للحماية المدنية والمساعدة في حالات الكوارث (BKK)، في مؤتمر عُقد أوائل مارس هذا العام بأن “نظام الرعاية الصحية غير مهيأ بما يكفي لمواجهة التحديات الجديدة”.
في رد فعل على الغزو الروسي لأوكرانيا في 2022، أمر وزير الدفاع الألماني، بإعادة هيكلة الجيش الألماني لتعزيز قدراته الدفاعية.
ابتداءً من أبريل/نيسان، سيتم نقل قوات الدفاع الوطني (هايماتشوتز) من قيادة الدفاع الوطني التابعة للبوندسفير إلى الجيش الألماني.
في إطار إنشاء فرقة جديدة للدفاع الوطني. تأتي هذه الخطوة جزئيًا استعدادًا لنقل فرق الجيش الحالية إلى مواقع أخرى، مثل الحدود الخارجية لحلف الناتو.
وفي هذا السياق، قال أدريانز: “أنه يجب أن تكون هناك خطة واضحة. ما الهدف من تعزيز الاحتياطي؟ هل هو لحماية وطننا، دعم حلفائنا، أو تعزيز القوات العاملة؟ ما ينقصني هو تحديد الأولويات بشكل دقيق.” وأضاف: “أعتقد أن الاستعداد موجود، ولكن من الضروري أيضًا أن يكون هناك هدف واضح ومحدد.
نقص في الأفراد والأدوية والملاجئ
في العام الماضي، طالبت الجمعية الألمانية للمدن والبلديات، التي تمثل 14 ألف مجلس محلي، الحكومة الفيدرالية بتخصيص 10 مليارات يورو على مدار عشر سنوات لتعزيز حماية المدنيين. كان الهدف من ذلك استخدام هذه الأموال لإعادة تأهيل 2000 ملجأ من فترة الحرب الباردة المنتشرة في أنحاء ألمانيا.
لكن المكتب الاتحادي للحماية المدنية والمساعدة في حالات الكوارث أفاد بأن 579 فقط من هذه الملاجئ لا تزال تستخدم كملاجئ عامة، ويمكنها استيعاب حوالي 478 ألف شخص، وهو ما يمثل 0.56% فقط من سكان ألمانيا.
وحذر الصليب الأحمر الألماني من نقص في أماكن الإقامة والأدوية وعمال الإغاثة، ودعا إلى إنشاء صندوق خاص بقيمة 20 مليار يورو (22 مليار دولار) لمعالجة هذه المشكلة. وقال كريستيان رويتر، الأمين العام للصليب الأحمر، إن التحول في حماية المدنيين بعد الغزو الروسي لأوكرانيا لم يتحقق كما كان متوقعًا.
وأضاف: “بعد مرور ثلاث سنوات، لا يزال لدينا نقص في الموارد، مما يعني أن الحماية المدنية غير مستعدة للتعامل مع أي أزمة طارئة”. وأشار إلى غياب الكوادر المدربة على مهام الحماية المدنية، وضعف قدرة المستشفيات على مواجهة الطوارئ، إضافة إلى نقص شبكة إمدادات آمنة للمضادات الحيوية”. ووصف ميزانية الحماية المدنية الحالية، التي تتراوح بين 500 و600 مليون يورو سنويًا، بأنها “غير كافية” لتلبية الاحتياجات المتزايدة لهذا القطاع الحيوي.
ويواصل الصليب الأحمر الألماني بناء أحد أكبر مراكز الحماية المدنية في لوكنفالده، جنوب برلين، بتمويل ذاتي بسبب نقص الدعم من الحكومة الفيدرالية. سيضم المركز “وحدة رعاية متنقلة” قادرة على تلبية احتياجات 5000 شخص في حالات الطوارئ، مثل السكن والكهرباء والمياه. ورغم وعد الحكومة بتوفير 10 وحدات مماثلة، تم تمويل وحدة واحدة فقط حتى الآن.
زيادة الوعي بأهمية مهارات وموارد البقاء
أكد رويتر أيضًا على ضرورة أن تكون الأسر مجهزة بإمدادات مستدامة من الطعام والماء، بالإضافة إلى مستلزمات النظافة وأجهزة الراديو التي تعمل بالبطاريات وأدوات الطوارئ الأخرى، مشددًا على أهمية زيادة الوعي حول هذا الموضوع. في نفس السياق، أشار دانييل شيفر، الذي ينتمي إلى مجتمع “المستعدين”، إلى تزايد الإقبال على دوراته التدريبية، مؤكدًا استعداده لجميع الاحتمالات.
ورغم الجدل والسخرية التي أثارها بعض الأشخاص في هذا المجتمع، الذين يروجون لخيالات نهاية العالم أو يسعون إلى إسقاط الدولة، يبتعد شيفر عن هؤلاء. فهو يؤكد أن غالبية “المستعدين” يهتمون بتعلم الأساسيات اللازمة لحماية المدنيين في حالات الحرب والكوارث. ويضيف أن تأثيرات تغير المناخ، وجائحة كوفيد-19، والأحداث في أوكرانيا جعلت العديد من الناس يعيدون التفكير في أهمية الاستعداد.
وقال شيفر لقناة DW: “أن الوعي المتزايد الآن هو أن الدولة لن توفر لك البيتزا بمجرد فتح الباب. يجب أن تتعلم كيف تعتني بنفسك في الأزمات، وأن تكتسب هذه المهارات بشكل مستمر.”
وأشار شيفر إلى أن الاستعداد للأزمات لا يقتصر فقط على توفير المعرفة، بل يشمل أيضًا مجالات مثل الاتصالات، والإمدادات، والشبكات الاجتماعية. وأضاف: “المعرفة هي نقطة انطلاق جيدة وتمنح نوعًا من الأمان، لكن الأهم من ذلك هو القدرة على القيادة، وتحمل الضغوط في المواقف الصعبة، ومعرفة ما يجب فعله في الاوقات الحرجة، وهو أمر يجهله الكثيرون.” وشدد شيفر على أن هذه المسؤولية تقع على عاتق المواطنين ليكونوا مستعدين لخدمة وطنهم في أوقات الأزمات.