رأي

ألمانيا – تعثر حزب البديل الشعبوي قبيل الانتخابات الأوروبية

كتب نيك مارتن في DW.

يعيش حزب “البديل من أجل ألمانيا” اليميني الشعبوي أسابيع عاصفة، إذ تسبب مرشحه الأبرز لخوض الانتخابات الأوروبية في موجة غضب عقب إدلائه بتصريحات تقلل من خطورة جرائم النازية. وتجري السلطات تحقيقات مع مرشحي الحزب.

يتنفس قادة حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني الشعبوي الصعداء حاليا، فرغم أن انتخابات المجالس المحلية (البلديات) التي جرت في ولاية تورينغن الأحد (26 مايو/ أيار) لم تكن انتصارا لهم، إلا أنها لم تكن كارثة أيضا. ومع اقتراب موعد انتخابات الاتحاد الأوروبي، يبدو الأمر وكأن أي فضيحة دولية أو أي حالة جدل داخلي لن تثني الناخبين الأساسيين عن دعم الحزب.

ويشار إلى أن تورينغن هي أحد أهم معاقل الحزب، حيث رسخ نفسه فيها كأكبر حزب في الولاية تحت قيادة بيورن هوكه، رئيس فرع الحزب بتورينغن. وخلال الانتخابات المحلية السابقة، كان الحزب يحصل بانتظام على أكثر من 30 بالمئة من الأصوات،  وهو معدل يفوق نسبته في الانتخابات العامة (البوندستاغ)، حيث كان يحصل على ما بين 15 إلى 20 بالمئة من الأصوات.

لكن انتخابات المجالس المحلية التي جرت الأحد الماضي لم تجلب معها الطوفان الأزرق  (إشارة إلى لون الحزب)، على عكس ما توقع كثيرون، فيما كان يُنظر إلي التصويت باعتباره مقياسا لمسار الحزب في الانتخابات الأوروبية في يونيو/حزيران وانتخابات ولاية تورينغن في سبتمبر/أيلول.

وعلى الرغم من أن الحزب تمكن من زيادة حصته من الأصوات بمقدار 8 نقاط مئوية إلى ما يقرب من 26% مقارنة بعام 2019، إلا أنه لم يحصل على منصب عمدة واحد. وعلى وقع ذلك، سيتعين على تسعة من مرشحي حزب البديل التنافس في جولة الإعادة خلال الأسابيع المقبلة.

أسبوع مضطرب

ورغم ذلك، ما زال حزب البديل يحتل المركز الثاني في استطلاعات الرأي على مستوى ألمانيا بعد الحزب المسيحي الديمقراطي المحافظ، متقدما على الحزب الاشتراكي الديمقراطي، الذي ينتمي إلى طيف يسار الوسط بزعامة المستشار أولاف شولتس.

ويأتي ذلك رغم التقارير الإعلامية شبه اليومية التي تكشف عن خلافات حادة وفضائح عنصرية ومزاعم خيانة وفساد بحق سياسيين من حزب البديل.

بيد أن الأسبوع  قبل الأخير من مايو/ أيار كان واقعه كارثيا على الحزب، إذ طُرد كافة نواب الحزب من  كتلة “الهوية والديمقراطية”  (آي دي) داخل البرلمان الأوروبي والتي تتألف من أحزاب قومية وشعبوية يمينية ويمينية متطرفة.

وجاء قرار الطرد بعد أن نقلت صحيفة “لا ريبوبليكا” الإيطالية عن المرشح الرئيسي لحزب البديل في الانتخابات الأوروبية المقبلة، ماكسيميليان كراه، قوله إن أعضاء قوات الأمن النازية الخاصة (إس إس)، ليسوا جميعا مجرمين.

وكان كراه، الذي يعد من النجوم الصاعدة داخل  الحزب  بسبب خطابه الشبعوي على منصة تيك توك، قد استقال من الحملة الانتخابية ومن لجنة رئاسة الحزب بعد أن تعرض لضغوط إثر اعتقال أحد مساعديه في البرلمان الأوروبي الشهر الماضي بشبهة التجسس لصالح الصين.

وجاء ذلك بعد أيام قليلة من قرار صدر من محكمة الولاية في مدينة هاله ضد بيورن هوكه بتغريمه 13 ألف يورو لاستخدامه شعارا نازيا محظورا. وقد نأى حلفاء الحزب الأوروبيون بأنفسهم عن حزب البديل إذ انتقدت مارين لوبان، زعيمة حزب “التجمع الوطني” اليميني الشعبوي في فرنسا، حزب البديل. وقالت لوبان إن حزب البديل يندفع “من استفزاز إلى آخر، بل ويعطي الجماعات المتطرفة مساحة كبيرة”.

وقد أقر رئيس حزب البديل تينو شروبالا، و أليس فايدل، الزئيسة المشاركة للحزب، بتعرض الحملة الانتخابية الحالية “لأضرار خطيرة”.

ففي فعالية انتخابية الشهر الماضي، قالت فايدل لأنصار الحزب إنه من المهم أن يخرج الحزب من الأزمة “أقوى”، مضيفة: “تمثل الأيام واللحظات الحالية حيث لا تسير فيها الأمور على ما يرام، الفرصة لتعلم الدروس من أجل مواصلة النمو وأن نصبح أكثر احترافية”.

غير متأثر بالفضائح

ويبدو أن الأضرار  التي لحقت بالحزب جراء ذلك مازالت محدودة في ضوء نتائج الانتخابات المحلية في ولاية تورينغن.

وفي ذلك، قال أندريه برودوكز، أستاذ العلوم السياسية في جامعة إرفورت، إن الكثير من “الناخبين مازالوا يصوتون لصالح حزب البديل. لقد تمكن الحزب من إعادة صياغة هذه الفضائح. ومن وجهة نظر أنصاره، فليس سلوك السياسيين في حزب البديل بالمشين وإنما المشين تحدثهم عن ذلك علنا”.

وعلى نفس المنوال، لا يعير أنصار الحزب في ولاية تورينغن الكثير من الاهتمام إزاء استمرار سريان قرار المكتب الاتحادي لحماية الدستور (الاستخبارات الداخلية) بتصنيف الحزب  كيانا قد يكون متطرفا ويمثل تهديدا “للنظام الأساسي الديمقراطي الحر” في ألمانيا منذ عام 2021.

وارجع أوليفر ليمبكه، أستاذ العلوم السياسية في جامعة الرور في بوخوم، ذلك جزئيا إلى التعاطف الذي يحظى به الحزب بين العديد من ناخبيه وأنصاره، قائلا: “يمتلك الحزب بعض الناخبين ذوي الميول اليمينية الذين يثمنون تبني الحزب بنفسه هذا المسار اليميني الشعبوي”.

وفي مقابلة مع DW، قال إن الحزب تمكن من استمالة كتلة تصويت كبيرة غير راضية عن الأحزاب الرئيسية في البلاد، مضيفا “وصلت شكوك (هذه الكتلة) إلى درجة الاسيتاء. بلغ استنكارهم مستوى كبيرا وبعيد المدى خرج من مجرد حالة عدم الرضا تجاه السياسيين والأحزاب السياسية الحالية إلى حالة استياء من النظام السياسي نفسه”.

ويقول مراقبون إن المظلومية التي نسجها قادة الحزب تجعله محصنا بشكل فعال ضد أي فضائح. ففي حالة إدانة سياسي بارز من الحزب بارتكاب جريمة أو أن يُتهم بالتورط في نشاط تجسس، فإن أنصار الحزب يرون ذلك بمثابة دليل آخر على فساد النظام السياسي الحالي.

عدم التأثر بحالة الفوضى

ويعتقد المراقبون أن حزب البديل مازال قادرا على الاعتماد على كتلة تصويتة من أنصاره لا تثق في وسائل الإعلام، خاصة مع اقتراب الانتخابات الأوروبية. وفي ذلك، قال ليمبكه: “إذا تحدثت الصحف عن فضائح، فلن تقرأها هذه الكتلة وحتى في حالة مطالعتها، فمن المرجح أن يعتقدوا أنها ليست سوى خطأ بسيطا”.

واستنادا إلى هذه العقلية، فإن قرار كتلة “الهوية والديمقراطية” لن يؤثر على إداء  حزب البديل  خلال الانتخابات الأوروبية، خاصة مع توافق نسب حظوظ الحزب في هذه الانتخابات مع حظوظه في الانتخابات التي سُتجرى في ألمانيا إذ تتراوح ما بين 15% إلى 20 بالمئة.

وقال ليمبكه إن حزب البديل “يعد كيانا متشككا في أوروبا على أي حال، لذا فإن ناخبي الحزب يرون في الانتخابات القادمة فرصة أخرى للتعبير عن شكوكهم حيال منظومة الاتحاد الأوروبي. أما السياسيون مثل كراه، فإنهم يرون أن الأمر لا يتعلق بمدى فعالية الحزب في أوروبا وإنما يتعلق برغبتهم في أن يكونوا جزءا من العملية الديمقراطية الأوروبية”.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى