أفضل الحلول السيئة: تعويمٌ قبل اليوم العاشر
كتب نقولا ناصيف في “لاخبار”:
يوم الجمعة الماضي، مرّت الايام العشرة الاولى من المهلة الدستورية وكأن انتخاب الرئيس ليس في مفكرة احد. الى ان يصل موعد الايام العشرة الاخيرة قبل انتهائها، التوقع المتفائل ان ثمة امراً ما يقتضي ان يحدث لاخراج البلاد من مأزقها قبل وقوعها في المحظور
يتعيّن على المهلة الدستورية، منذ يومها الاول الى ان يُنتخب رئيس جديد للجمهورية، لا احد يعرف متى ومَن، ان تمر بمحطاتها الثلاث المعتادة: التسخين المتدرج في اسابيعها الاولى كعدّة شغل التفاوض الى ان يوجّه رئيس المجلس نبيه برّي الدعوة الى الجلسة الاولى دونما انتخاب الرئيس حتماً، ثم الوصول الى آخر ايامها في 31 تشرين الاول يتساقط خلالها تباعاً المرشحون، انتهاء بحقبة شغور منصب رئيس الدولة وانتقال صلاحياته الى الحكومة القائمة الاكثر برودة عندئذ في انتظار هبوط اعجوبة تخرج البلاد من مأزقها. في شغور عام 2014 كان الانتظار طويلاً مملاً وبارداً، فيما سبقه شغوران عامي 1988 و2007 لم ينقضيا الا بسخونة حامية مكلفة بدّلت الكثير في موازين القوى الداخلية.
اولى المحطات هذه المألوفة، ان يشهر الافرقاء الناخبون، كما الذين يفترضون انفسهم ناخبين، اسلحة التصعيد والتسعير والمواجهة المفتوحة. ذلك ما بَانَ اخيراً في الحملات المتبادلة كما لو انهم ذاهبون فعلاً الى الصدام، باستثناء المتفرّج الوحيد حزب الله الذي لا يستعجل دوره. كل السجالات الدائرة، بما تنطوي على اتهامات وتشهير، تتوجّه الى الاستحقاق الرئاسي والتصرّف على ان الشغور واقع حتماً. وهم بذلك يذهبون جميعاً الى الحلول السيئة.
احد افضل الحلول السيئة الملازمة للشغور، المحسوب سلفاً، هو ما يصير الى تداوله بعيداً من الاضواء عن احتمال انهاء المأزق العالق بين رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس المكلف نجيب ميقاتي بازاء الحكومة التي يُتوقّع ان تحل في صلاحيات رئيس الجمهورية بانتهاء ولاية عون. المحسوم ان الرئيس سيغادر قصر بعبدا في الدقيقة الاخيرة في ولايته منتصف ليل 31 تشرين الاول. المحسوم ايضاً ان الرئيس الحالي لن يُسجّل ما لم يفعله اي من اسلافه قبلاً، ويخلف سابقة تجاوزه مدة الولاية المنصوص عليها في المادة 49 من الدستور. ثلاثة رؤساء سبقوه شهدت الاشهر الاخيرة في ولاياتهم ما يخبره عون هذه الايام، لم يبرحوا قصر الرئاسة الا في الدقيقة الاخيرة، هم الرؤساء كميل شمعون (1958) وسليمان فرنجيه (1976) وامين الجميّل (1988)، وكان وُصِف كلٌ منهم عند خصومهم بأنه اسوأ الرؤساء. الا ان ما حدث بعدهم في وقت قريب او بعيد اظهر انهم لم يكونوا كذلك.
ما يتردد بصوت مخفوض انتهاء المأزق الحكومي الحالي قبل الوصول الى اليوم العاشر السابق لاختتام المهلة الدستورية لانتخاب الرئيس في 21 تشرين الاول، بأن يصير الى قبول استقالة حكومة تصريف الاعمال، وفي الوقت نفسه اعادة تعويمها بمراسيم جديدة بوزرائها الـ24 اياهم، انطلاقاً من واقع ان لا حكومة سواها سواء باعادة تأليفها من ضمن توازناتها الحالية او باستمرارها حكومة تصريف اعمال ستحلّ حكماً في صلاحيات رئيس الجمهورية. ولن يقف حائل دونها. لن يتطلب الامر، ما لم يصر الى ترميم عظامها، سوى ان يعلن رئيسها قبيل منتصف ليل 31 تشرين الاول في بيان رسمي ان حكومته المستقيلة تصبح صاحبة الصلاحية الدستورية في مواصلة استمرارية السلطات الدستورية العليا، وان صلاحيات رئيس الجمهورية اضحت في عهدتها تماماً. لن يصعب اذذاك اعتراف الداخل، كبرّي وحزب الله ووليد جنبلاط وسليمان فرنجيه والبطريركية المارونية ودار الفتوى وحزب القوات اللبنانية والنواب الجدد، بالمآل الجديد، كذلك تعامل المجتمعين العربي والغربي معها على النحو نفسه، مع ان ابوابهما لمّا تزل موصدة في وجه ميقاتي منذ تأليفه الحالية المستقيلة.
لكل من هؤلاء وجهة نظره في ما سيحدث: الذي يخشى من الفراغ، والذي تخلّص اخيراً من رئيس الجمهورية، والذي يعدّ نفسه للتحوّل ناخباً كبيراً في الاستحقاق الرئاسي المؤجل.
الى ان يحين أوان الوصول الى افضل الحلول السيئة، سيضاعف الافرقاء ضغوطهم كمَن يجرّ العربة الى الهاوية، وأولهم رافضو تعويم الحكومة المستقيلة. أما الأسباب الوجيهة للتسليم في نهاية المطاف بهذا الخيار، فتكمن في الآتي:
1 – اياً تكن السجالات والاجتهادات الدستورية في تبرير حجة مَن لا يعترف بصواب انتقال صلاحيات الرئيس الى حكومة تصريف الاعمال عملاً بالمادة 62، فإن هذه ستصبح في عهدة تلك بدافع اساسي هو موازين القوى الداخلية التي تفرض ارادتها، وتعترف بالامر الواقع الجديد بانتهاء ولاية عون. اما ما يتخطى الحجة الدستورية، فهو تعويم الحكومة المستقيلة بمراسيم جديدة طبق الاصل للتي صدرت في 10 ايلول 2021، ما يفضي الى اقفال جزئي غير كاف وشاف بالضرورة للاعتراض المسيحي الممثَّل في رفض بكركي ترك رئاسة الجمهورية، المارونية، شاغرة بعد مغادرة الرئيس الحالي، وافتعال العراقيل للحؤول دون انتخاب خلف له.
2 – ربما من المبالغ به الاعتقاد بأن رئيس الجمهورية وحزبه التيار الوطني الحر خاسران في انتقال صلاحيات الرئيس المغادر الى آخر حكومات عهده. الاصح ان العكس هو الصائب. عندما تألفت حكومة ميقاتي في 10 ايلول 2021، قيل ان رئيسها تخاذل امام رئيس الجمهورية وضعُف امام غاية وصوله الى السرايا، بأن اعطاه الحصة العظمى فيها وهي 8 من وزرائها الـ24. قيل سوى ذلك ايضاً ان الرئيس ورئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل نالا في حكومة 2021 الثلث +1 مضمراً بوجود وزير تاسع يمكنهما من تعطيل انعقاد جلسات مجلس الوزراء، او يتسبب في اطاحة الحكومة وفرض استقالتها على غرار سابقة 2011.
سواء عُوِّمت أو بقيت مستقيلة، حصة عون وباسيل في حكومة ميقاتي تظل الكبرى
واقع الامر ان الحصة المزدوجة هذه كانت في حكومة ميقاتي اكبر حصصها على الاطلاق: 8 وزراء للرئيس وحزبه، 6 وزراء لرئيس الحكومة، 5 وزراء للثنائي الشيعي، وزيران لفرنجيه، وزيران حليفان للرئيس وحزبه والثنائي الشيعي، وزير لجنبلاط.
3 – سيبقى عون وباسيل يحتفظان في الحكومة نفسها، مستقيلة او معوَّمة، بالحصة الوازنة التي تقف عند حدود التعطيل بأن تقرع بابه دونما ان يُفتح لها بالضرورة، ما لم يأذن حزب الله بذلك. تاسع الوزراء الثمانية المفترض هو وزير النائب السابق طلال ارسلان. بيد ان القرار، بعد الكلمة المسموعة، عند حزب الله المعلوم من موقفه حتى الآن على الاقل، تمسكه بميقاتي رئيساً للحكومة مستقيلة او معوَّمة في مرحلة لا تحتمل شغف البحث عن بديل منه او الرهان على سواه، واصراره على عدم ترك البلاد بلا حكومة اياً تكن الصيغة النافذة لوظيفتها. يفضّلها مكتملة المواصفات الدستورية، ولا يضيره ان تكون مستقيلة كأسوأ الاحتمالات التي يسهل عليه هضمها وضبطها وادارتها. يُفسِّر ذلك صمته الحالي وتفرّجه على الفصول الرائجة في الحملات المتبادلة الى ان يحين أوان تدخّله، المحسوب قبل اليوم العاشر من نهاية المهلة الدستورية.