أفريقيا: موجة الانقلابات تؤجج مخاوف الحكام المستبدين.
أدى الانقلاب في الغابون إلى زيادة التوتر في القارة: فقد أظهر استيلاء الجيش على السلطة في الدولة الواقعة في وسط أفريقيا أن حكام مستبدين آخرين قد يتم طردهم أيضاً في حال توسعت دائرة الانقلابات في القارة.
وبعد أكثر من شهر بقليل من الاستيلاء على السلطة في النيجر، حيث تمت الإطاحة بالرئيس المنتخب ديمقراطياً محمد بازوم تسبب الانقلاب في الغابون في اضطرابات في المنطقة، وأيضاً في بلدان أخرى.
الاستبداد غير مرغوب فيه
بعد أربعة أيام من الانتخابات الرئاسية في الغابون، أطاح الجنود برئيس الدولة علي بونغو أونديمبا بعد 14 عاماً من توليه السلطة، التي ورثها من والده، عمر بونغو. وحكم عمر بونغو الغابون من عام 1967 حتى وفاته في عام 2009. أدى هذا الاستبداد العائلي إلى سخط أهل البلاد.
بيد أن دولة الغابون ليست حالة فريدة في أفريقيا. وتبين نظرة فاحصة على واقع الكاميرون المجاورة ماهية التأثيرات المحتملة للانقلاب: فبعد ساعات من تعيين العسكر في الغابون رئيساً جديداً للدولة، قام الرئيس بول بيا البالغ من العمر 90 عاماً، والذي يحكم الكاميرون منذ أكثر من 40 عاماً، بتغيير قيادته العسكرية.
إن إيجاد أوجه التشابه بين الغابون والكاميرون أمر “صعب” بالنسبة للمحلل السياسي أليكس غوستاف أزيبازي. ويوضح السبب في حديث مع DW: “الكاميرونيون مثلي يتابعون ما يحدث في الغابون عن كثب، دون الوقوع في أوهام كبيرة”. وتابع “نعتقد أن الديمقراطيين الكاميرونيين من جميع المعسكرات سيستجمعون قواهم لمنع الجيش من التدخل في اللعبة السياسية”.
وكان الرئيس الرواندي بول كاغامي، الذي يشغل منصبه منذ عام 2003، قد أحال على التقاعد البعص من كبار المسؤولين العسكريين الأسبوع الماضي.
وبعد وقت قصير من انقلاب الغابون، عين عمرو سيسوكو إمبالو، رئيس غينيا بيساو منذ عام 2020، مستشارين أمنيين اثنين لحمايته. وقال الرئيس للصحفيين “صحيح أن الانقلابات التي يقوم بها مسؤولو الأمن الرئاسي أصبحت موضة، بيد أن أي تحرك مشبوه سيقابل بالرد المناسب”.
وفي موزمبيق، أدان الرئيس فيليب نيوسي الانقلاب في الغابون، وقال: “لا توجد أسباب تبرر الانقلاب، لأن هناك مشاكل في كل بلد، والانقلابات لا تحل مشاكل التنمية في القارة”. وأضاف أن الطريقة التي تمارس بها الديمقراطية في القارة تحتاج إلى مراجعة. ويحكم نيوسي موزمبيق منذ عام 2015. وتستخدم الدولة القمع ضد الاحتجاجات الشعبية.
من جهته يرى سيليستين أودوغو من جامعة أبوجا في نيجيريا أن العودة التدريجية للجيش هي نوع شكل جديد من أشكال الثورة. ويمكن إيقاف ذلك أو السيطرة عليه من خلال الحكم الرشيد وإيفاء الساسة بوعودهم الانتخابية، بحسب أودوغو.
الأسباب: الفقر وغياب الإصلاح
إن ديناميات الانقلابات هي مجال بحث ودراسة جون تشين في “معهد كارنيجي ميلون للأمن والتكنولوجيا” في “جامعة بيتسبرغ”. “أفريقيا هي مركز الانقلابات، ولكن لا يوجد حالتان متشابهتان”، كما يقول تشين لـ DW. ويوضح: “يمكننا التمييز بين الانقلابات التي تؤدي إلى تغيير النظام للإطاحة بالحكومات المنتخبة ديمقراطياً، كما رأينا في النيجر. وبين انقلابات يتم فيها استبدال القيادة من أجل الحفاظ على النظام الحاكم، كما كان الحال في تشاد قبل بضع سنوات”.
للانقلابات أنواع وأشكال كثيرة، ومن الصعب تحديد أسبابها بوضوح. لكن يمكن القول إن أسباب عودتها للظهور في القارة السمراء هي التأثيرات المحلية والإقليمية مثل الفقر والافتقار إلى الديمقراطية، وتدخل اللاعبين الدوليين مثل روسيا أو فرنسا أو الولايات المتحدة.
وبحسب تشين، بينما كانت المحاولات الانقلابية قليلة الحدوث في إفريقيا مع مطلع هذه الألفية، فقد قفز العدد إلى أحد عشر محاولة انقلابية في الفترة بين عامي 2020 و2022 فقط، لتصبح 13 انقلابا ومحاولة انقلابية هذا العام عند إضافة النيجر والغابون.
الاستنتاج السياسي مثير للقلق: “أولئك الذين وعدوا بعودة سريعة إلى الحكم الديمقراطي لم يلتزموا بوعودهم”، كما يقول جون تشين. وقدمت مجالس عسكرية في المنطقة وعوداً سياسية تحت ضغط عقوبات من المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) والولايات المتحدة وفرنسا ودول أخرى. لكن بعد رفع العقوبات، سحبوا كل شيء ويقول: “لم نشهد عودة ناجحة إلى الديمقراطية في أي من هذه البلدان”.
صعوبة التنبؤ بالانقلابات
“يجب على مدبري الانقلاب التفكير والعمل بشكل استراتيجي إذا كانوا يريدون الاستيلاء على السلطة والاحتفاظ بها”، كما يقول تشين. فالعامل الأهم في حساباتهم هي “ردود الفعل الدولية”. ويتابع: “إذا فرضت العقوبات، فسيكون من الصعب البقاء في السلطة”. لذلك، فإن استمرار الدبلوماسية النشطة من قبل الاتحاد الأفريقي والمجتمع الدولي يلعب دوراً مهماً إما في إنهاء الانقلابات، أو على الأرجح، تقصير المدة الزمنية التي تبقى فيها الحكومات الانقلابية في السلطة.
وحسب تشين، لن يكون الانقلاب في الغابون الأخير في القارة. ويوضح: “سنرى حالات انقلاب أخرى في أفريقيا”، مرجحاً أن يكون مدبري الانقلابات على تواصل فيما بينهم.
ويمكن أن يمتد الانقلاب إلى الدول المجاورة أيضاً، لكن لا يوجد دليل على هذه النظرية. “الشيء الذي يميز الانقلابات الناجحة هي عدم توقع حدوثها، كما كان الحال في الغابون”، يختم جون تشين الباحث في “معهد كارنيجي ميلون للأمن والتكنولوجيا” في “جامعة بيتسبرغ” حديثه.
المصدر: DW.