“أطباء المناخ”..هكذا يتحضر جيل جديد لمواجهة كوارث البيئة
قامت الدكتورة لاكشمي بالاسوبرامانيان، طبيبة الأورام في مدينة أوستن بولاية تكساس الأمريكية، بالتسجيل لدراسة طب المناخ عقب وفاة مريضة كانت محاصرة في منزلها خلال عاصفة شتوية عنيفة قبل عامين.
وكان الدكتور بول تشارلتون، الطبيب لدى هيئة الصحة الهندية في شمال غرب نيو مكسيكو، مدفوعًا بموجة الحر الصيفية لعام 2023، عندما وصلت درجات الحرارة إلى 37.8 درجة مئوية لمدة أسبوع تقريبًا على التوالي في يوليو/ تموز، وسجلت أرقامًا قياسية.
وتبادل كل من هالتغرين، وتشارلتون، وبالاسوبرامانيان هذه القصص في أوائل نوفمبر/تشرين الثاني عندما اجتمعوا في مدينة كوليج ستيشن بتكساس، في منتصف الطريق من خلال برنامج الدبلوم الأول من نوعه الذي سيجعلهم خبراء معتمدين في “طب المناخ”.
وتُعد هذه المادة من بنات أفكار الدكتور جاي ليميري، مدير برنامج المناخ والصحة في كلية الطب بجامعة كولورادو.
وقال ليميري: “هذه تُعد مغامرتنا الأولى في تدريب القوى العاملة بمجال الرعاية الصحية، التي تتمتع بالذكاء المناخي”، مؤكدًا على الحاجة إلى “قادة يتمتعون بالمصداقية، والمعرفة، والفعالية”.
وتابع: “نريد أن نبعث برسالة إلى الأطباء مفادها أن هذه مهارات بالغة الأهمية للتخفيف من الآثار الصحية الناجمة عن المناخ”.
وفي نهاية الأسبوع الماضي، خلال فعاليات مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ “كوب 28” في دبي، وقعت 123 دولة على اعتراف بأن تغير المناخ يتمتع بتأثير كبير على صحة الإنسان، إلى جانب الإعلان عن نحو نصف مليار دولار في التزامات التمويل لتعزيز النظم الصحية، والحدّ من الأضرار الشاملة التي تلحق بالبشر.
وأوضح ليميري، الذي كان حاضرا خلال الاجتماع: “لقد رأينا للتو تعهدات ومبادرات ضخمة لمضاعفة المرونة وإزالة الكربون، ومع ذلك لم يتم تدريب أي أحد على القيام بذلك”.
وقد تزايد الوعي بأضرار المناخ، وخاصة منذ عام 2009، عندما وصفت دورية “ذا لانسيت” تغير المناخ بأنه “أكبر تهديد صحي عالمي في القرن الحادي والعشرين”.
وتؤدي درجات الحرارة المرتفعة إلى توسيع نطاق الآفات التي تحمل الأمراض مثل البعوض، وتعطل الحرارة والجفاف دورات المحاصيل، ما يؤدي إلى نقص الغذاء. وبين عامي 2030 و2050، وفقاً لتقرير منظمة الصحة العالمية في أكتوبر/تشرين الأول، سوف يتسبب تغير المناخ في وفاة 250 ألف شخص إضافي سنوياً بسبب سوء التغذية، والملاريا، وأمراض الإسهال، والإجهاد الحراري.
وتشكّل مثل هذه التحذيرات جزءًا متزايدًا من التعليم الطبي في الولايات المتحدة. ومنذ عام 2019، تضاعف عدد كليات الطب الأمريكية التي تتطلب دورات دراسية حول تأثيرات تغير المناخ.
لكن برنامج دبلوم كولورادو يذهب إلى أبعد من ذلك، ويهدف إلى تحويل المهنيين الطبيين العاملين إلى خبراء رواد في المناخ والصحة.
وقال ليميري، وهو طبيب طوارئ إن “البرنامج مصمم خصيصًا للأطباء العاملين الذين يبحثون عن برنامج له أهمية حقيقية”.
ويقدم برنامج ليميري خمسة برامج لشهادات منفصلة، يلبي كل منها متطلبات اعتمادات التعليم الطبي المستمر.
وللحصول على الدبلوم، يكمل الطلاب جميع البرامج الخمسة، على مدار فترة تزيد عن عامين. وقد صمم أحدث نموذج لمساعدة المشاركين على الاستعداد ومحاكاة الاستجابة لكارثة مناخية كبرى.
بعد القراءات والمناقشات عبر تطبيق مكالمات الفيديو “زووم”، نظرًا لأن المشاركين يعيشون في جميع أنحاء البلاد – قام مديرا الدورة الدكتور تيري أوكونور والدكتورة بهارجافي تشيكوري بحجز يومين في منشأة تدريب فريدة من نوعها.
وتمتد “مدينة الكوارث” على مساحة 52 فدانًا في حرم جامعة تكساس “إيه آند إم”، حيث سيجد الزوار عربات قطار قُلبت رأسًا على عقب، وسيارات، وحافلات محطمة، وأكوامًا تلو الأخرى من الأنقاض الخرسانية.
ولا يُعتبر الأطباء من العملاء المعتادين، إذ يشارك رجال الإطفاء وفرق الطوارئ الطبية والكوارث لحضور تدريبات البحث والإنقاذ ذات الشهرة العالمية في المنشأة.
ولم يتضمن التدريب خلال شهر نوفمبر/ تشرين الثاني أي أكوام من الأنقاض، لكن طلاب طب المناخ أجروا عمليات محاكاة تطرح تحديات مثل: ما الذي يجب أن يتضمنه تقييم مدى تعرضك للمخاطر؟ كيف يمكنك إقناع مديري المستشفيات بدفع تكاليف التحديثات باهظة الثمن والمقاومة للكوارث والتي قد لا يتم استخدامها أبدًا؟ وكيف التصرف في حال نفاد المولد الاحتياطي في المستشفى الخاص بك؟
وقال ليميري إن عمليات المحاكاة تتطرق مباشرة إلى جوهر التدريب الطبي، موضحًا أنه “مع التدريب يأتي الإتقان”.
وأضاف: “لا يمكننا إتقان أمرا ما إلا إذا استعرضنا تلك العضلات، وتعلمنا كيفية تحسينه. وعندما تقع الكوارث، نريد من فرقنا الطبية ومستشفياتنا القول: لا تقلقوا سنتولى الأمر. ولا نريدهم أن يتجولوا ويتساءلوا أين نحتفظ بخطة عمل الطوارئ”.
وأوضحت مديرة الدورة بهارجافي تشيكوري أن البقاء على اطلاع بأحداث المناخ يساعد الأطباء على أداء وظائفهم اليومية بشكل أفضل.
وتقدّم تشيكوري مثالاً للمريض الذي يأتي مصابًا بسعال مزعج، قائلة: “قد يكون الطبيب المطلع على شؤون المناخ على دراية بحقيقة أن مواسم حبوب اللقاح لدينا أطول، وأحيانًا لا يمكن التنبؤ بها”.
وتابعت: “إذا كنت لا تفكر بهذا التغيير في البيئة، فلا يمكنك أن تسأل ما إذا كان شخص ما قد عانى من الحساسية من قبل”.
ولا يفكر غالبية الأطباء في المناخ على أساس يومي، إذ قالت الدكتورة جوان ليوفي، طبيبة في مدينة لاس فيغاس الأمريكية التي تسعى للحصول على دبلوم طب المناخ: “كان إدراك تأثيرات المناخ على المرضى العاديين بطيئًا بالنسبة لي. ويأتي الناس إلى العيادات طوال الوقت بسبب إصابتهم بأمراض مرتبطة بالمناخ لا يمكننا التعرف عليها”.
ويشارك العديد من الطلاب بالفعل بشكل عميق في الجهود المبذولة للحد من النفايات وتقليل البصمة الكربونية للمستشفيات التي يعملون فيها؛ ويشيرون إلى أن نظام الرعاية الصحية في الولايات المتحدة مسؤول عن ما يقرب من 9% من انبعاثات غازات الدفيئة في البلاد