أسعار النفط بين الضغط الأميركي وضوابط «أوبك»

كتب كامل عبدالله الحرمي, في “الراي” :
مع تولي الإدارة الأميركية الجديدة مهامها، من المتوقع أن تواجه الدول المصدّرة للنفط تحديات مشابهة لتلك التي شهدتها في عهد إدارة ترامب السابقة التي بدأت في عام 2017.
يتمثل التحدي الرئيسي في الضغط الذي قد تمارسه الولايات المتحدة لدفع أسعار النفط نحو الانخفاض قدر الإمكان. هذا التوجه قد يدفع منظمة «أوبك» إلى إعادة ضبط سياستها الإنتاجية لمواجهة هذا الضغط، خصوصاً أن سعر برميل النفط الحالي يبلغ حوالي 81 دولاراً.
الإدارة الأميركية الجديدة، تسعى مثل سابقتها، إلى تحقيق استقلالية كاملة عن استيراد النفط والغاز من الخارج. وتُركّز هذه الإدارة على تعزيز عمليات التنقيب والإنتاج المحلي، ما يتماشى مع سياساتها القائمة على زيادة الإنتاج وتقليل الاعتماد على مصادر الطاقة الأجنبية. بالرغم من أن هذه السياسات قد تؤدي إلى انخفاض أسعار النفط، إلا أن الهدف الأساسي لها هو تقليل الاعتماد الأجنبي على الطاقة، بغض النظر عن تأثير ذلك على المنتجين المحليين أو الأسواق العالمية.
حالياً، تنتج الولايات المتحدة أكثر من 13.5 مليون برميل يومياً من النفط الخام، وهي كمية تعكس زيادة كبيرة مقارنة بالسنوات السابقة. وتمتلك الولايات المتحدة احتياطات نفطية ضخمة قد تكفي لمدة 50 عاماً مقبلة بمعدلات الإنتاج الحالية، ما يعني أنها قد تتمكن من تغطية احتياجاتها لمدة 5 سنوات دون الحاجة إلى استيراد النفط. ومع ذلك، يبقى تقدير الاحتياطيات الصخرية ومدى استدامتها نقطة غامضة قد تُؤثر على السياسات المستقبلية.
ومع استمرار اكتشاف وزيادة الإنتاج النفطي في دول عدة مثل كندا، النرويج والولايات المتحدة، يواجه العالم فائضاً في المعروض النفطي. هذا الفائض يدفع «أوبك» إلى اتخاذ قرارات بخفض الإنتاج بشكل متكرّر لضبط الأسعار.
ومن المتوقع أن تواجه المنظمة صعوبة في الحفاظ على توازن السوق دون تقديم تنازلات كبيرة تتعلق بحصص الإنتاج، خصوصاً إذا تجاوزت التخفيضات المطلوبة 6 ملايين برميل يومياً.
وتسعى «أوبك» للحفاظ على سعر مستقر للنفط يحقق عوائد اقتصادية مرضية لدولها الأعضاء، ويُجنّبها تقلبات الأسعار الحادة. ومع ذلك، فإن الضغوط العالمية، بما في ذلك الزيادات الإنتاجية من الدول غير الأعضاء في «أوبك»، تجعل المنظمة في مواجهة مستمرة مع تحديات العرض والطلب.
علاوة على ذلك، تلعب القرارات السياسية دوراً محورياً في تحديد أسعار النفط. على سبيل المثال، أدت العقوبات الأميركية الأخيرة على روسيا، بما في ذلك القيود المفروضة على شركات النفط وناقلات النفط الروسية، إلى ارتفاع مفاجئ في أسعار النفط لما يزيد على 80 دولاراً للبرميل. مثل هذه القرارات تُبرز مدى تأثير السياسة على ديناميكيات السوق العالمية.
والسؤال الرئيسي الآن هو: هل ستبقى أسعار النفط عند مستوياتها الحالية أم ستنخفض؟ وما تأثير ذلك على الاقتصاد الأميركي؟
إن انخفاض أسعار النفط قد يُساعد على كبح معدلات التضخم في الولايات المتحدة، لكنه قد يؤثر سلباً على الدول المنتجة للنفط، التي تعتمد بشكل أساسي على عوائد النفط لتمويل اقتصاداتها.
ومن المتوقع أن تواصل الإدارة الأميركية الجديدة انتقاد السياسات التي لا تصب في مصلحتها، بما في ذلك القرارات التي تؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط.
هذه التوجهات قد تُجبر «أوبك» على اتخاذ خطوات أكثر مرونة تتماشى مع العرض والطلب العالميين، بما يضمن استقرار الأسواق وعدم ترك الأسعار لموجات هبوط حادة.
في ظل ما هو منظور، تجد الدول النفطية، ومنظمة «أوبك» على وجه الخصوص، نفسها أمام تحديات متزايدة مع تغيّر ديناميكيات السوق العالمية وضغوط السياسات الأميركية، وبموجب ذلك، يتعين على «أوبك» أن تُدير حصص الإنتاج بحذر لضمان استقرار الأسعار، مع أخذ الفائض النفطي العالمي في الاعتبار. ومع ذلك، فإن التأثير السياسي والاقتصادي للإدارة الأميركية الجديدة سيكون عاملاً حاسماً في تحديد مستقبل أسواق النفط خلال السنوات المقبلة.