أبرزرأي

أسعار الغذاء واضطرابات السياسة

كتبت جريدة “العرب الإقتصادية الدولية”: : يبقى الغذاء المشكلة المستمرة على الساحة العالمية، حتى في أوقات الاستقرار. وهذه القضية تخص بالدرجة الأولى الدول الفقيرة، التي شهدت في العقدين الماضيين تقدما لافتا على صعيد التنمية، عبر تسهيلات دولية ومساندة من المنظمات العالمية ذات الصلة، إلا أن هذه التنمية لم تصل إلى الحالة المستدامة. بمعنى آخر، تبقى هذه الدول، خصوصا تلك التي توصف بالأشد فقرا، في وضع هش على صعيد إمدادات الغذاء.
وإذا كانت دول متقدمة تعاني حاليا اضطرابات بشأن الإمدادات الغذائية، علينا أن نتصور بالفعل وضعية الدول الناشئة والفقيرة بهذا الخصوص. فقد أثبتت الأشهر الماضية أن الموجة التضخمية العالمية الحادة، لم تستثن أي دولة تقريبا من الضغوط على صعيد الغذاء، ما أدى إلى ارتفاع غير عادي في تكاليف استيراد الغذاء عموما، ولا سيما في العام الجاري.
ووفق منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة “فاو”، فإن تكاليف واردات الغذاء حول العالم تقترب من تريليوني دولار في العام الجاري، وإذا ما استمرت الأوضاع العالمية على هذا المنوال، سترتفع هذه التكاليف في العام المقبل الذي ستواجه فيه دول متقدمة وناشئة وفقيرة موجة جديدة من الركود، بصرف النظر عن مستوياتها بين بلد وآخر. وأسهمت الحرب في أوكرانيا بالدرجة الأولى في رفع فاتورة الغذاء، حتى إن الفترة التي شهدت توقفا كاملا تقريبا لتصدير الحبوب من روسيا وأوكرانيا، عاش العالم حالة من الرعب والخوف الغذائي، إن جاز القول. فقد بلغ نقص الحبوب والغذاء عموما في أغلب الدول الفقيرة نحو 50 في المائة، فضلا عن الضغوط الاجتماعية والشعبية، حتى الاضطرابات التي نتجت عن النقص الشديد للخبز والمواد المعيشة الرئيسة الأخرى.
ارتفاع تكاليف استيراد الغذاء، أدى إلى نقص الكميات، التي تشحن عادة إلى الدول الفقيرة بمستوى عام. فأغلب هذه الدول تعاني تآكل عملاتها الوطنية، وارتفاع الدولار الذي تتسبب في الآونة الأخيرة في زيادة تكاليف الاستيراد لكل شيء. صحيح أنه بعد الاتفاقات السياسية، التي تمت مع روسيا، تراجعت أسعار السلع الغذائية نوعا ما، إلا أنها تبقى أعلى كثيرا مما كانت عليه قبل الحرب في أوكرانيا، وقبل اتساع رقعة الموجة التضخمية الخطيرة حول العالم. فضلا عن تراجع واضح لوتيرة المساعدات، التي اعتادت أن تتلقاها الدول الفقيرة، بحكم الضغوط المالية على أغلب الدول المانحة. فأزمة ارتفاع تكاليف استيراد الغذاء يبدو أنها ستبقى لبعض الوقت، إلى أن تتضح الصورة بشأن الاستقرار السياسي والاقتصادي العالمي كله.
هذه الأسعار ارتفعت 10 في المائة على أساس سنوي لتسجل هذا العام 1.94 تريليون دولار، مع انكماش مقلق للواردات في الدول منخفضة الدخل. والمشكلة هنا لا تتعلق بارتفاع الأسعار فقط، بل بزيادة أسعار الأسمدة المستخدمة في الزراعة وكأعلاف. وهذه النقطة تمثل خطورة جمة، لأن نقص هذه المواد الأساسية في الإنتاج الزراعي، أو العجز عن الحصول عليها بسبب ارتفاع أسعارها، سيؤدي إلى تراجع مستوى الإنتاج الزراعي عموما في هذا البلد أو ذاك. وهذا ما حصل بالفعل في الأشهر الماضية، عندما توقفت إمدادات الأسمدة والبذور من أوكرانيا وروسيا. لكن هناك علامات إيجابية نوعا ما بحسب “فاو” مع توقعاتها بزيادة إنتاج البذور الزيتية، وكذلك إنتاج السكر، مع بقاء إنتاج الأرز عند مستوياته الحالية. لكن في النهاية، يبقى ارتفاع أسعار استيراد الغذاء هما عالميا لا يمكن التخلص منه إلا باتفاقات دولية واضحة تبعد الغذاء عن الحروب وتبعاتها والسياسة وصراعاتها وخلافاتها.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى