رأي

أسبوع المفارقات بين مصر والصومال

الرئيس المصري يهدد بالتدخل لحماية وحدة الصومال وعدم “تجربة مصر”، ثم يعود للتذكير بصعوبة الوضع الاقتصادي في بلاده.

كتب د. هيثم الزبيدي في صحيفة العرب:

أسبوع حافل بالمفارقات السياسية صاحب زيارة الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود للقاهرة ولقاءه بالرئيس عبدالفتاح السيسي. فمن الواضح أن المصريين لا ينظرون إلى مذكرة التفاهم بين أرض الصومال وإثيوبيا بارتياح. وثمة احتمال أنهم افتعلوا عدم الارتياح من قضية لم تكن تهمهم كثيرا، لكنها وفرت فرصة لفتح ملف يزعج الإثيوبيين ويعرقل سعيهم للوصول إلى البحر. فقضية سد النهضة لا تزال معلقة، ولا يوجد ما يدعو إلى الاعتقاد بأن هناك حلا مُرضيا للطرفين في الأفق.

كان واضحا غضب الرئيس السيسي. عبارات التحدي التي تخللت كلمته التي أدلى بها في المؤتمر الصحفي المشترك مع الرئيس الصومالي كانت تحمل أكثر من دلالة. “محدش يجرب مصر”، جملة كررها الرئيس المصري. ولا نعرف بالضبط ما إذا كان الرئيس شيخ محمود قد فهم الكلام. فالمؤكد من المؤتمر الصحفي، ومن المقابلات التلفزيونية التي أجراها مع عدد من الفضائيات، أن الرئيس الصومالي لا يستطيع أن يتحدث بالعربية.

مفارقة عدم قدرة الرئيس الصومالي على التحدث بالعربية تتجسد في المقابلة التي أجرتها معه قناتا “العربية” و”الحدث” السعوديتان. منصة “شاهد”، وهي واجهة بث تدفقي لأم بي سي والقناتين وغيرها من المؤسسات الإعلامية السعودية، وضعت المقابلة في صدارة اختياراتها للمشاهد. هذه من المرات النادرة التي تزاحم فيها مقابلة سياسية واجهة المنصة المخصصة بالدرجة الأولى للمسلسلات وبرامج الطبخ والترفيه.

كان الرئيس شيخ محمود يستدعي الدعم العربي من الجامعة العربية بلغة إنجليزية سليمة. قامت المحاورة بطرح الأسئلة عليه بالإنجليزية أيضا. الرئيس من مواليد عام 1954، أي عاش مرحلة التعريب والتواصل مع العالم العربي بعد استقلال البلاد. لا نعرف كيف تبخرت اللغة العربية من على لسان الرئيس، وهو الذي درس في مدارس الصومال وجامعته. الصومال، البلد العضو في الجامعة العربية.

تحدث الرئيس الصومالي عن مخاطر مذكرة التفاهم بين أرض الصومال وإثيوبيا على وحدة الصومال. مرة أخرى لا نعرف ما إذا كانت الصيغة الفيدرالية للصومال تتيح عقد الاتفاقيات، وما إذا كان الغرب يتقبل مثل هذه الاتفاقيات بالأساس كما تقبّل مثلا اتفاقيات وترتيبات كردية مماثلة في شمال العراق.

لكن المفارقة الكبرى تتمثل في استدعاء الرئيس الصومالي حججَ حركة الشباب الإرهابية كمبرر لرفض مذكرة التفاهم. حركة الشباب تعتبر المذكرة مقدمة لحرب صليبية تشنها إثيوبيا على الصومال، البلد المسلم الذي دمرته الحرب الأهلية ونخر بنيانه الإرهاب السلفي. كأن الرئيس شيخ محمود يقول إن من الضروري عدم إغضاب حركة الشباب أو منحها سلاحا معنويّا إضافيا في مواجهة القوات الحكومية. منذ متى صار استرضاء الإرهابيين سياسة مقبولة من الدول التي يفترض أنها في حرب مفتوحة مع الإرهاب؟ ها هي الحركة تستهدف الحكومة في مقديشو منذ سنوات ولا تميز بين مسلم ومسيحي. الآن صار من المقبول استخدام السرديات القاعدية أو الداعشية عن حروب صليبية تشن على أرض الإسلام في أكثر من مكان لتبرير المواقف؟ هذا المنطق المعوج للتفسير لا ينتمي إلى أساسيات الحوار الذي يجب أن يكون قائما بين الحكومة المركزية في مقديشو وحكومة أرض الصومال.

الحماسة التي أبدتها مصر والصومال للتصدي لمشروع الوصول الإثيوبي إلى البحر تحظى بالتشجيع الإعلامي من بعض دول الإقليم. لا جديد في طريقة تقديم الإعلام القطري للأزمة، فالأمر يتماشى مع موقف الدوحة من الأطراف الصومالية. لكن الرسالة السياسية التي صاحبت الإبراز الملموس للمؤتمر الصحفي للرئيسين ووضع مقابلة الرئيس الصومالي ضمن اختيارات منصة “شاهد”، يوضحان أن السعودية غير مرتاحة للوضع الجديد في منطقة البحر الأحمر وخليج عدن. فالحوثيون، بتحديهم الجميع واستهدافهم حركةَ الملاحة البحرية عبر مضيق باب المندب ومقترباته الشمالية والجنوبية، جعلوا من الصعب على السعودية أن تتدخل بشكل مباشر في أزمة مذكرة التفاهم بين إثيوبيا وأرض الصومال. فالرياض لم تنته من موضوع الحرب في اليمن، ومن الواضح أنها لا تريد أن تكون طرفا حاليا أو مستقبليا في أي تحالف يدعم حماية حركة الملاحة في المنطقة. وطالما أنها لا تريد التدخل في شأن لا يمس أمنها بشكل مباشر، يظلّ من الصعب عليها أن تتحرك لرفض المذكرة/الاتفاقية التي تتعلق بدولة تعيش الفوضى منذ عام 1991. هنا يصير من الضروري تشجيع الأطراف الأخرى.

القراءة السعودية للتطورات ترى أن إثيوبيا تستغل الوضع الراهن في المنطقة لتمرير اتفاقية بأبعاد مركّبة. فمن جهة تتحول “جمهورية أرض الصومال” إلى دولة مستقلة بدءا باعتراف الجار الكبير إثيوبيا بحكومتها وأرضها، ومن جهة أخرى تصل إثيوبيا إلى البحر كقوة مؤثرة إقليميا. لا بد من أن نتذكر أن إثيوبيا التي يزيد عدد سكانها عن 100 مليون نسمة، هي أكبر بلد في العالم، من حيث عدد السكان، بلا منفذ بحري. هذا المنفذ البحري الذي ستحصل عليه من أرض الصومال وصار واضحا أنه سيكون قاعدة بحرية، سيؤمن أيضا ممرا من اتجاهين، بين إيصال الإنتاج الزراعي الإثيوبي إلى الخارج، وتأمين وصول السلع والخدمات إلى السوق الإثيوبية. هذا الوضع يغير كل معطيات القرن الأفريقي، المنطقة التي لا تزال تعاني من مشاكل الأمن وعرقلة التنمية. السعودية مهتمة بالمنطقة، لكنها تعرف أنها تأخرت كثيرا في التحرك نحوها وأن الإماراتيين والقطريين والأتراك سبقوها إلى هناك. مفارقة توكيل المصريين والصوماليين مهمة التصعيد وعرقلة المشروع الإثيوبي والتلويح بالتصعيد والتدخل، تتزامن مع مساعي التهدئة المنتظرة على جبهة الحرب في اليمن.

في عز الغضب المصري والتلويح بعدم “تجربة مصر” وقوتها، تأتي آخر مفارقات الأسبوع: الحديث الذي أدلى به الرئيس السيسي عن وضع الاقتصاد المصري وأزمات توفر الدولار وأسعار المواد الغذائية وقضايا الاستيراد بدلا من الإنتاج، واللوم الكبير لرجال الأعمال ممن استسهلوا التجارة وقاطعوا التصنيع. صورة البلد القوي الذي ينبغي عدم “تجربته”، والتي رسمتها القيادة المصرية مطلع الأسبوع الماضي، تبددت قبل نهايته على لسان القيادة نفسها بالحديث عن الكثير من مكامن الضعف الاقتصادي الذي يحول دون قدرة مصر على تخويف من يتحداها، أو يهدد الوحدة الصومالية بمشاريع انفصال أو قواعد بحرية أو موانئ تصدير.

إزاء هذا التداخل الذي يعتري الوضع، هل نخاف من مصر أم نخاف عليها؟ سنترك مهمة نقل هذه المخاوف إلى المترجم كي يوصلها إلى الرئيس الصومالي.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى