رأي

أزمة في فرنسا.. مصائب ماكرون عند بوتين فوائد؟

كتبت ليزا لويس في صحيفة DW.

شهدت فرنسا في الأيام الماضية موجة من الاحتجاجات الغاضبة، ولكنها أخذت الطابع الاحتفالي في الشوارع. شارك في المظاهرات في باريس 55 ألف شخص، و500 ألف شخص في جميع أنحاء فرنسا بحسب السلطات الفرنسية، في حين تحدثت النقابات العمالية عن مليون متظاهر في عموم البلاد.

عبر الفرنسيون من خلالها عن استيائهم من سياسييهم، ومن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على وجه الخصوص، ووفق الاستطلاعات فإن 17 بالمئة فقط من الفرنسيين راضون عن الرئيس الفرنسي، وهو أدنى مستوى على الإطلاق. وازدياد الضغط عليه له تداعيات على المستوى الدولي.

قالت كارين تورسيت، 33 عاماً، وهي ناشطة وعضو في نقابة الاتحاد العام للعمل (CGT) لـ DW: “هذه هي المرة الأولى التي نشارك فيها في مظاهرة مع مجموعة”، وتحدثت عن شعورها “بالصدمة” والاستسلام عندما أعلن رئيس الوزراء السابق فرانسوا بايرو في منتصف يوليو/ تموز عن نيته توفير حوالي 44 مليار يورو العام المقبل، وخفض عجز الموازنة الفرنسية إلى 4.6 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، بالإضافة إلى رغبته في إلغاء عطلتين رسميتين، وتطبيق تخفيضات في قطاع الرعاية الصحية، وإصلاح تأمين البطالة.

وحتى التغييرات الأخيرة في الحكومة التي تمثلت بفشل بايرو في تصويت الثقة في البرلمان، واستبداله من قبل ماكرون بصديقه المقرّب سيباستيان لكورنو، وزير الدفاع الفرنسي السابق، لا تُغير الكثير بالنسبة لكارين تورسيت.

وعن هذا التعيين قالت: “ليكورنو أسوأ من بايرو، وسيرغب بالتأكيد في تطبيق إجراءات تقشف أشد صرامة”، وأضافت: “نحن بحاجة إلى رئيس وزراء ذي توجه يساري، يقدم بعض الدعم لأصحاب الدخل المنخفض، ويفرض الضرائب على الأغنياء”.

الفوضى في فرنسا تؤثر على أوروبا بأكملها

سياسة سيباستيان لكورنو غير واضحة بعد، ومع أنه تراجع عن إلغاء يومي العطلة إلا انه لم يُعلن بعد عن مشروع ميزانيته، الذي يُفترض أن يقدمه إلى البرلمان في بداية شهر أكتوبر/ تشرين الأول.

يتفاوض ليكورنو حالياً بشأن خططه مع الكتل البرلمانية، حيث لا يمتلك أغلبية، بل يعتمد على حكومة أقلية هشّة مكوّنة من الوسط واليمين المحافظ، ويسير الوزراء السابقون في هذه الأثناء الأعمال الحكومية لحين رؤية الحكومة الجديدة النور.

كل ذلك يؤثر على ما يُدعى بالمحرك الفرنسي-الألماني، وهو تعاون مهم ورائد على مستوى الاتحاد الأوروبي بحسب بول موريس، الأمين العام لـ “لجنة دراسة العلاقات الفرنسية-الألمانية” (Cerfa) في “المعهد الفرنسي للعلاقات ادولية” (Ifri) في باريس. وأوضح موريس في مقابلة مع DW أن العمل على المستويات الإدارية العديدة في اللجان الثنائية مستمر، ولكن وفقاً لقانون صدر عام 2024، لا يتخذ الوزراء الانتقاليون في فرنسا أي قرارات إلا في حالات الضرورة القصوى، كالأزمات المالية على سبيل المثال.

بالإضافة إلى ذلك، هناك حاجة إلى أموال لدعم مشاريع، مثل الاستثمارات في الدفاع، وهو أحد الأولويات على المستوى الأوروبي، كما ترى صوفي بورنشليغل، الباحثة في شؤون السياسة في مركز الأبحاث اليساري الليبرالي “المركز التقدمي” في برلين. وتردف أن الفوضى في السياسة الداخلية في فرنسا تنعكس على الاتحاد الأوروبي.

وقالت بورنشليغل لـ DW: “ماكرون منشغل جداً بالشؤون الداخلية، مما لا يترك له الوقت للتركيز على السياسة الخارجية وأوروبا. علاوة على ذلك، فإن التغيير الوزاري المستمر يُعقّد ويُبطئ العمل في مجالس الوزراء الأوروبية المسؤولة عن السياسة الزراعية، على سبيل المثال”.

وأضافت بورنشليغل: ” كما أن في ذلك إشارة، حتى إلى الأسواق المالية، بأن فرنسا لديها الآن رئيس وزراء جديد، وهو الرابع في غضون عامين”.

ولتغطي فرنسا دينها الوطني تدفع ما يعادل ما تدفعه إيطاليا، التي يبلغ دينها الوطني 139 بالمئة من ناتجها المحلي، أي أعلى بنحو 20 نقطة مئوية من دين فرنسا. وعلى المستوى الدبلوماسي يجب إظهار القوة، غير أن الصورة النمطية عن فرنسا حالياً هي أنها “بلد إضرابات” على حدّ تعبير بورنشليغل.

ما سرّ فرحة بوتين؟

يعتقد جان بيساني-فيري، الزميل البارز في معهد بروغل للأبحاث الاقتصادية في بروكسل Bruegel وأستاذ الاقتصاد في معهد الدراسات السياسية بباريس Sciences Po أن الوضع الحالي يضرّ بمكانة فرنسا.

ويقول جان بيساني-فيري لـ DW إن رئيس دولة تعاني من صعوبات مالية يضعه في موقع ضعف، ويُضعف صوت بلاده حتى في المفاوضات على المستوى الأوروبي. ويضيف: “يجب أن نستعيد توازن الميزانية، لكن الأمر ليس سهلاً. من المهم أن يستمر الاقتصاد الفرنسي في النمو. توفير 44 مليار يورو مبالغ فيه، بالإضافة إلى ذلك، يجب توزيع العبء بشكل عادل بين ذوي الدخل المنخفض والمرتفع”.

وعن علاقة روسيا بذلك، يقول جان روفني، أستاذ السياسة في مركز الدراسات الأوروبية والسياسات المقارنة في معهد الدراسات السياسية بباريس Sciences Po لـ DW: “إذا ضعفت فرنسا، فسيضعف الاتحاد الأوروبي أيضاً. وهذا يُرضي الأنظمة المنافسة مثل الصين وروسيا”. ويردف: “ما يحدث في فرنسا حالياً مثالي بالنسبة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي يأمل بحدوث المزيد من الاضطرابات، وعدم اليقين السياسي، مما يؤدي إلى تعزيز اليمين المتطرف. وسيحاول بوتين تأجيج هذه التوجهات بنشر أخبار كاذبة. ففي النهاية، يريد زعزعة استقرار الدول الأوروبية ونشر الفوضى السياسية”.

كل هذه الاعتبارات والمخاوف لم تخطر على بال العديد من المتظاهرين الفرنسيين، مثل تييري دوبير، وهو متقاعد يبلغ من العمر 62 عاماً، كان مدير إنتاج في مصنع. ويطالب تييري دوبير بأن يعود سن التقاعد إلى 60 عاماً، وليس 64 عاماً كما هومخطط قريباً. وأضاف: “في هذه الأيام، يُعامل الموظفون كموارد فقط، لكننا بشر. أنا ضد العودة إلى العصور الوسطى”.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى