أزمة فرنسا تفرز 5 تداعيات تهدد الاقتصاد الأوروبي…أكبرها صعود الأحزاب الشعبوية
يدخل الاقتصاد الأوروبي عام 2025 المنعطف الخطر، حيث تواجه حالة من عدم الاستقرار السياسي في أهم دولتين، وهما فرنسا وألمانيا. كما تواجه دول القارة أزمات معقدة، منها “جمارك ترامب” المتوقع فرضها على صادراتها إلى السوق الأميركي، ومطالبة الرئيس الأميركي المنتخب تلك الدول بالدفاع عن نفسها، وهو ما يعني زيادة الإنفاق الدفاعي، في وقت تعيش فيه القارة أزمات مالية واقتصادية وتجارية عدة، منها كلفة حرب أوكرانيا والتضخم وزيادة سعر الفائدة.
وحتى الآن، أدت الاضطرابات السياسية في فرنسا إلى زيادة حالة عدم اليقين بشأن السياسة المالية والإدارة الاقتصادية، ليس في فرنسا فحسب، ولكن في جميع أنحاء أوروبا. إذ مع مواجهة باريس حاليا عجزا في الميزانية يبلغ 6.2% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو واحد من أعلى المعدلات في الاقتصاد الأوروبي داخل منطقة اليورو، فإن أي تأخير أو عدم القدرة على تنفيذ تدابير التقشف الضرورية من شأنه أن يؤدي إلى تفاقم هذا العجز، وسط وجود حكومة غير مستقرة في باريس قادرة على إقرار ميزانية متماسكة.
وقدم رئيس الحكومة الفرنسية ميشيل بارنييه استقالته يوم الخامس من ديسمبر 2024 إلى الرئيس إيمانويل ماكرون، الذي طلب منه وحكومته البقاء في تصريف الأعمال حتى تعيين رئيس وزراء جديد. وقبلها حل ماكرون البرلمان في يونيو، بعد أن حصل حزبه على نصف عدد الأصوات التي حصل عليها حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف الذي جاء في المرتبة الأولى في الانتخابات البرلمانية للاتحاد الأوروبي. وأفضت الانتخابات التشريعية المبكرة إلى جمعية وطنية مشرذمة وموزعة على ثلاث كتل، هي تحالف اليسار ومعسكر ماكرون واليمين المتطرف، من دون أن يملك أي منها الغالبية المطلقة.
ولا يستبعد مصرفيون أن تجد فرنسا صعوبة في الوفاء بالتزاماتها المالية بموجب لوائح الاتحاد الأوروبي، الأمر الذي قد يؤدي إلى مزيد من التخفيضات في تصنيفها الائتماني وزيادة تكاليف الاقتراض. ويُعد الاقتصاد الفرنسي أحد أكبر الاقتصادات داخل الاتحاد الأوروبي، ويساهم بشكل كبير في النمو الاقتصادي الشامل. ووفقًا لتحليل بنك بي إن بي باريبا الفرنسي، في 5 ديسمبر الجاري، فإن الاضطرابات السياسية في فرنسا أدت إلى زيادة التقلبات في الأسواق المالية.
وأشار البنك إلى أن ثقة المستثمرين تتضاءل بسبب عدم اليقين المحيط بالسياسات الحكومية والتغيرات المحتملة في القيادة. وشدد على أنه إذا استمرت الأزمة من دون حل، فقد يؤدي ذلك إلى تباطؤ النمو الاقتصادي الفرنسي، الأمر الذي سيؤثر سلباً على الاقتصاد الأوروبي على مستوى الاتحاد بشكل عام، نظرا لمكانة فرنسا كواحدة من أكبر اقتصاداته. ويقدّر حجم الاقتصاد الفرنسي بنحو 3.031 تريليونات دولار، بينما يقدر حجم الاقتصاد الألماني بنحو 4.456 تريليونات دولار. وبالتالي، فإن زعزعة هذين الاقتصادين سيعني تلقائياً زعزعة الاقتصاد الأوروبي بأكمله.
على صعيد ثقة المستثمرين وردود أفعال السوق، غالباً ما تؤدي الأزمات السياسية إلى تقلبات في الأسواق المالية، بسبب عدم اليقين المحيط بالسياسات المستقبلية واستقرار الإدارة. وقد أدى انهيار حكومة بارنييه في بداية هذا الشهر إلى إثارة ردود فعل سلبية من جانب المستثمرين، حيث ارتفعت تكاليف الاقتراض بالنسبة لفرنسا، فضلاً عن دول الاتحاد الأوروبي الأخرى التي يُنظر إليها على أنها معرّضة لخطر عدم استقرار مماثل.
ويمكن أن يؤدي فقدان ثقة المستثمرين في أدوات المال داخل الاقتصاد الأوروبي إلى ارتفاع العائدات على السندات الحكومية، مما يؤثر على التمويل في جميع دول أوروبا، وربما يؤدي تلقائياً إلى تباطؤ النمو الاقتصادي في القارة.
وكان مصرف سوسيتيه جنرال الفرنسي في تقريره الصادر في 12 ديسمبر الجاري أكثر حذرا، فيما يتعلق بتدفقات الاستثمار إلى فرنسا وسط الاضطرابات السياسية. وأفاد بأن الاستثمار الأجنبي المباشر (FDI) من المرجح أن يتراجع مع سعي المستثمرين إلى الاستقرار في أماكن أخرى داخل أوروبا. وحذر البنك من أن عدم الاستقرار لفترة طويلة قد يعيق قدرة فرنسا على جذب الاستثمارات اللازمة للابتكار وتطوير البنية التحتية، مما يؤثر في نهاية المطاف على قدرتها التنافسية داخل سوق الاتحاد الأوروبي.
من ناحية تداعيات الأزمة الفرنسية على القطاع المصرفي، تبدو البنوك الفرنسية حساسة بشكل خاص لعدم الاستقرار السياسي بسبب اعتماده على ثقة المستهلك والاستقرار الاقتصادي. وأعرب دويتشه بنك الألماني في تقريره الصادر في 10 ديسمبر الجاري عن قلقه بشأن تأثير الأزمة السياسية على الإنفاق الاستهلاكي في فرنسا. وأشار محللو البنك إلى أن الاحتجاجات والاضرابات المستمرة عطلت الحياة اليومية والعمليات التجارية، مما أدى إلى انخفاض ثقة المستهلك. وقد يؤدي هذا الانخفاض في الإنفاق إلى انخفاض نمو الناتج المحلي الإجمالي لفرنسا، الأمر الذي ستكون له آثار مضاعفة على الاقتصاد الأوروبي في جميع أنحاء منطقة اليورو، خاصة على البلدان التي لها علاقات تجارية قوية مع فرنسا.
على صعيد الإصلاحات الهيكلية طويلة المدى، ربما تؤدي الأزمة إلى تأخير الإصلاحات البنيوية الضرورية داخل فرنسا، والتي تشكل ضرورة أساسية لتعزيز القدرة الاقتصادية على التحمل في الأمد البعيد. وبحسب دراسة أصدرها في 18 ديسمبر الماضي، قال بنك يو بي إس السويسري: “إذا استمر المناخ السياسي الحالي في فرنسا من دون حل، فقد يؤدي ذلك إلى تأجيل الإصلاحات الحيوية التي تهدف إلى تعزيز الإنتاجية والقدرة التنافسية”. ولن تؤثر مثل هذه التداعيات السلبية على فرنسا فحسب، بل تخلف أيضًا تأثيرات متتالية على قدرة منطقة اليورو بأكملها على التكيف اقتصاديًا.
ومن ناحية المخاطر الأكبر على مستقبل الاتحاد، تبرز تغذية الأزمة للأحزاب الشعبوية، وبالتالي ضعف الكتلة الأوروبية. وهناك شعور يتنامى في أوروبا بعدم الرضا عن تدابير التقشف الحكومية، وقد يؤدي ذلك إلى تغذية الحركات الشعبوية في مختلف أنحاء أوروبا، التي تطالب بخروج بلدانها من بيروقراطية المفوضية الأوروبية، وبالتالي زعزعة استقرار الإطار الأوسع للاتحاد الأوروبي.
ومن ناحية تداعيات أزمة فرنسا على العلاقات التجارية والاعتماد الاقتصادي المتبادل داخل دول الاتحاد الأوروبي، تلعب فرنسا دورا حاسما في العلاقات التجارية بين البلدان الأوروبية؛ وأي اضطراب ناجم عن عدم الاستقرار السياسي يمكن أن يؤثر على التدفقات التجارية، ليس فقط داخل فرنسا، ولكن أيضا بين دول الاتحاد الأوروبي الأخرى التي تعتمد على الصادرات أو الواردات الفرنسية، وفق مراقبين.
على سبيل المثال، إذا انخفض الاستهلاك العام بسبب تدابير التقشف، أو إذا واجهت الشركات حالة من عدم اليقين بشأن اللوائح، فقد يؤدي ذلك إلى تقليل الطلب على السلع من دول الاتحاد الأوروبي الأخرى، مما يؤثر على اقتصاداتها أيضا.
في هذا الصدد، أعرب مصرف دويتشه بنك الألماني عن قلقه بشأن تأثير الأزمة السياسية على الإنفاق الاستهلاكي في فرنسا. وأشار محللوه في تقرير في 10 ديسمبر الجاري إلى أن الاحتجاجات والاضرابات المستمرة عطلت الحياة اليومية والعمليات التجارية، مما أدى إلى انخفاض ثقة المستهلك. وقد يؤدي هذا الانخفاض في الإنفاق إلى انخفاض نمو الناتج المحلي الإجمالي لفرنسا، الأمر الذي ستكون له آثار مضاعفة في جميع أنحاء منطقة اليورو، خاصة على البلدان التي لها علاقات تجارية قوية مع فرنسا.