أزمة بين الحكومة والنواب في اليمن.
كتب مصطفى النعمان في إندبندنت بالعربي.
لم تكن مستغربة تلك الضجة التي أحدثها تقرير مجلس النواب اليمني عن ثلاث قضايا تهم الرأي العام، ووجه فيه الاتهامات إلى الحكومة بعدم الالتزام بالقواعد القانونية في منح ترخيص للحصول على حق تشغيل شركة اتصالات وبيع النفط والعجز في قطاع الكهرباء.
وكان من الطبيعي جداً أن يلقى التقرير اهتماماً كبيراً لدى المواطنين الناقمين على أداء الحكومة ويحملها، وهذا أمر مفهوم، كل السلبيات التي يعانونها في كل قطاعات الخدمات، وإذا كان لدى الحكومة ما تقدمه كمبررات للعجز في قطاع الكهرباء وطريقة بيع النفط بغير الطرق القانونية نظراً إلى التهديدات الحوثية فإنها عجزت عن إقناع الأغلبية بمشروع اتفاق مع شركة خارجية تأخذ غالبية أسهم شركة اتصالات جديدة، مما سيعطيها حق السيطرة على قطاع الاتصالات في المحافظات الواقعة خارج نطاق نفوذ جماعة “أنصار الله” الحوثية، وحاز الجدل حوله على الاهتمام والمتابعة بالتأييد أو بالرفض أو بالتحفظ.
في واقع الأمر تأخرت الحكومات المتعاقبة منذ 2015 في معالجة موضوع الاتصالات، وظلت شبكة الاتصالات وما يسمى بالبوابة الدولية في صنعاء، ومعهما الدخل الكبير الذي كان يرفد خزانة “الجماعة” بمبالغ ضخمة، وليس مفهوماً عدم معالجة الأمر والمماطلة لسنوات لإعادة الأمور للوضع الطبيعي، كما تزايدت الشكوى والشكوك من اختراق الشبكات من أجهزة “الجماعة” مما يعطيها القدرة على مراقبة الاتصالات كافة.
وعلى رغم جدية الموضوع وخطورته من حيث تحكم جهة غير خاضعة لسلطة “الشرعية”، إلا أن معالجة هذا الخطأ لا يجوز أن تكون مقبولة بإجراء خاطئ آخر، فالاتصالات يجب أن تكون خاضعة لسلطة الدولة وحدها، حتى وإن جرى منح الترخيص لشركات تشغيل أجنبية تحت أي مبرر، وفي هذا السياق كانت إحدى نقاط الضعف غموض الاتفاق، وأن الشركة المذكورة غير معروفة وغير متخصصة في الاتصالات وليس لها أية خبرة أو مواقع تشغيل سابقة.
ووجه المنتقدون جام غضبهم تجاه رئيس الحكومة، ولكن العجيب هو أن كثيراً من المدافعين عن اتفاق الاتصالات صوروا الأمر على أنه مؤامرة من “الشماليين” لمنع إصلاح منظومة الاتصالات في “الجنوب” وإبقائها تحت سيطرة “الجماعة” في صنعاء، وهو تفسير فيه سذاجة مفرطة وتسطيح للمسألة لأن معظم الذين عملوا على تمرير الاتفاق شماليون.
وحين أتناول بحديثي قضية الاتصالات تحديداً فذاك لأهميتها ولأنها تفتح مجالاً واسعاً لتناول قضايا أخرى تثير الشكوك لدى الناس ويمكن إسقاط جميعها بالشفافية والوضوح، ومن الممكن الإسراع في تجنيب البلاد مزيداً من الشقاق والصراعات البينية الدونكشوتية التي جمدت حركة الحياة، ولن يتحقق ذلك إلا بأن يقوم مجلس القيادة الرئاسي بالانعقاد الدائم وليتذكر أعضاؤه الثمانية أنهم لم يحققوا أياً من المهمات التي أنيطت بهم فجر السابع من أبريل (نيسان) 2022، كما لم يبذلوا الجهد المطلوب لإقناع المواطنين بمشروعيتهم الوطنية، واكتفوا بتبادل المساومات حول التعيينات والسفريات التي لا تعود بالنفع على المواطنين.
سيبقى حال إدارة البلاد مرتبكاً لأن الأسلوب الذي يدار به مجلس القيادة الرئاسي لا يمكن أن ينجح في حلحلة القضايا الوطنية الكبرى التي من المفترض أنه جاء لمعالجتها، ويكفي العجز المعيب والفاضح في عدم القدرة على عقد اجتماع لكامل الأعضاء إلا خارج البلاد، وهنا يجب تسجيل إيجابية تمكن رئيس الحكومة من إنجازها في انتظام انعقاد جلسات مجلس الوزراء في عدن، على رغم ما تعرض له من تصرفات غير مفهومة من جماعات مسلحة غير منضبطة وغير مستوعبة لأصول العمل الحكومي.
إنني على قناعة كاملة أن مجلس القيادة الرئاسي في حاجة ماسة وعاجلة إلى تغيير أسلوب إدارة أعماله، فليس من المعقول أن يبقى نشاطه مقتصراً على نشر صور وبيانات بمفردات مملة وزيارات ليست ذات جدوى للبلاد، ومن الضروري تنشيط أدوار أعضاء المجلس جميعهم وتكليفهم بمهمات سياسية وإدارية، لأن المشهد الحالي لم يعد يظهر فيه إلا رئيس “المجلس” وعضو المجلس عيدروس الزبيدي الذي يتحرك بحيوية أكثر بصفته رئيساً للمجلس الانتقالي.
ومن الخطر الشديد ألا يدرك “المجلس” ورئيسه بصفة خاصة أن حنق الناس وغضبهم وإحباطهم لا تعالجه التصريحات والوعود ما لم يلحقها جدية في الأداء ونزاهة في المقصد وابتعاد عن التظاهر بالعمل، لأن المواطنين يمتلكون قدرة فائقة في التمييز بين الغث والسمين.
وحسناً فعل مجلس النواب أن تجاوز محاولات إفشال انعقاده التشاوري أول من أمس الأحد، وأثبت أنه قادر بتفاهم هيئة الرئاسة والنواب المقتنعين بأهمية العمل النيابي على استعادة دوره الدستوري، وأنه يستطيع ضبط أعمال مؤسسة الرئاسة والحكومة ضمن إطار الدستور الحالي واللوائح المعمول بها من دون الحاجة إلى الدخول في صراع يكلف البلد أكبر من قدرتها، وأخفق الذين حاولوا تعطيل الجلسة لأن موقفهم كان غير متوافق مع ممارساتهم السابقة في الإخلال بالدستور والقواعد.
اليوم يقف اليمنيون ليراقبوا المشهد الجديد وكيف سيديره مجلس النواب الذي يستطيع استعادة الإمساك بزمام دوره الدستوري كاملاً، وسيتابعون كيف سيتعامل أعضاؤه مع كل القضايا التي أثارها التقرير مؤملين ألا تقتحمها المساومات، وفي الوقت نفسه عليه أن يمد يد التعاون مع الحكومة لإنقاذها من عثراتها وتصحيح ما قد ترتكبه من أخطاء. أما رئيس وأعضاء مجلس القيادة الرئاسي فإن رصيد شرعيتهم المهتزة أصلاً تآكل بسرعة فاقت ما كان يأمله من وضعوا فيه قليلاً من التفاؤل، وهذا نذير خطر داهم على البلاد.