أزمة إسرائيل السياسية بين الاستبداد والفوضى

من يتابع المشهد السياسي في اسرائيل، يرى ان هذا الكيان يمر بمرحلة سياسية شائكة ومتداخلة تهدد استقراره الداخلي، حيث تتزايد اتهامات المعارضة لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بتنفيذ انقلاب على النظام الديمقراطي. وتسعى المعارضة إلى التصدي لهذه التحركات عبر حشد الشارع والقطاعات المختلفة، لكن مدى نجاحها لا يزال يكتنفه الغموض. ويبدو أن غياب التدخل الدولي، ولا سيما الأميركي، يعزز موقف نتنياهو، خاصة في ظل موقف الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، الذي تبنّى سياسات مشابهة لتقويض المؤسسات الديمقراطية في بلاده.
تكمن خطورة الوضع الحالي في إسرائيل في تجاوز الأزمة للحدود السياسية التقليدية، إذ لم تعد المسألة مقتصرة على صراع بين المعارضة والسلطة، بل باتت تهدد مستقبل هذا الكيان. يعزز ذلك تصاعد الاستقطاب الداخلي الذي قد يدفع نحو سيناريوهات متطرفة، من بينها احتمالية اندلاع حرب داخلية، هذه الفكرة التي كانت حتى وقت قريب مجرد تكهنات نظرية، غير انها اصبحت اليوم حاضرة بقوة في تقديرات الخبراء و المحللين الإسرائيليين. حيث تعالت الأصوات التحلليلية في اسرائيل والتي تحذر من ان استمرار نتنياهو في نهجه وسياسته الحالية قد يؤديان إلى أزمة سياسية واجتماعية طويلة الأمد، يصعب التنبؤ بتداعياتها.
ترى المعارضة والمتظاهرون الذين نزلو بكثافة الى الشارع أن نتنياهو يتصرف وكأنه يعاني من “جنون العظمة” يرافقه جنون سياسي، حيث يضع مصلحته الشخصية فوق أمن الدولة، ولا يستبعدون استخدامه الحرب كأداة لتحقيق مكاسب سياسية. وعلى الرغم من أن هذه الاتهامات يعارضها البعض ويعتبرها مبالغة وتهويل، إلا أن المؤكد هو أن قرار الحرب أصبح أكثر تدعيماً من أي وقت مضى، حتى في ظل غياب الإجماع الداخلي، وهو ما يمثل تحولًا خطيرًا مقارنة بالجولات القتالية السابقة، خاصة تلك التي اندلعت في أواخر عام 2023.
ولا شك ان غياب الضغط الدولي يساهم في ترسيخ نهج نتنياهو الاستبدادي. فمن جهة، لم تعد الولايات المتحدة تلعب دورًا فاعلًا في كبح الانهيار الديمقراطي التدريجي داخل إسرائيل، بل إن واشنطن نفسها شهدت محاولات لضرب مؤسساتها الديمقراطية في ظل سياسات ادارة ترامب الحالية، ما يجعل أي تدخل أميركي محدودًا أو غير ذي تأثير كبير. ومن جهة أخرى، لم تظهر القوى الغربية الأخرى اهتمامًا حقيقيًا بالأزمة السياسية الإسرائيلية، ما يمنح نتنياهو هامشًا أوسع للمضي قدمًا في سياساته بعيداً عن الضغوط الخارجية.
اذاً الأزمة السياسية الراهنة في إسرائيل تضع الدولة أمام نقطة تحول مفصلية، إما استمرار تآكل النظام الديمقراطي لصالح هيمنة السلطة التنفيذية، أو تصاعد الاحتجاجات الشعبية وصولًا إلى اضطرابات داخلية واسعة النطاق. ومع انعدام أي مبادرات داخلية أو خارجية لاحتواء الموقف، تبقى إسرائيل مهددة بمزيد من التوترات التي قد تعيد تشكيل معالم نظامها السياسي بشكل جذري.
*رأي سياسي*