رأي

أذربيجان صديقةٌ لـ “إسرائيل” أصلاً.. لماذا الضغط من أجل التطبيع؟

أذربيجان تواجه ضغوطاً لتطبيع العلاقات مع “إسرائيل”، فهل تشكّل ورقة ضغط جديدة على إيران؟

كتب إلدار محمدوف, في “Responsible Statecraft” :

مع إرسال الرئيس دونالد ترامب رسائل متضاربة بشأن إيران، فرض حملة ضغط شديدة والتهديد باتخاذ إجراءات عسكرية من ناحية والإشارة إلى رغبته في التفاوض من ناحية أخرى، تعمل الأصوات المناهضة للدبلوماسية جاهدة لإيجاد سبل جديدة لحصر الولايات المتحدة وإيران في عداوة أبدية.

لقد شهدت الأسابيع الماضية حملة متصاعدة، في كل من الولايات المتحدة و”إسرائيل”، لضمّ أذربيجان، الجارة الشمالية لإيران، إلى ما يسمّى باتفاقيات “أبراهام”، وهي مجموعة “اتفاقيات التطبيع” لعام 2020 التي تم توقيعها بين “إسرائيل” وعدد من الدول العربية، بما في ذلك الإمارات العربية المتحدة والبحرين والمغرب.

ورأى مركز “بيغن-السادات”، وهو مركز أبحاث إسرائيلي، أنّ العاصمة باكو ستكون إضافة مثالية إلى القائمة. وأرسل عدداً من الحاخامات المؤثرين، وعلى رأسهم مؤسس مركز “سيمون فيزنتال” في لوس أنجلوس، مارفن هير، والحاخام الرئيسي لدولة الإمارات العربية المتحدة، إيلي عبادي (وهو شريك مقرب من صهر ترامب، جاريد كوشنر، الذي كان له دور فعال في صياغة اتفاقيات “أبراهام” الأصلية)، رسالة إلى ترامب للترويج لضمّ باكو. وقد عززت صحيفتا “وول ستريت جورنال” و”فوربس” هذه الرسائل في مقالات الرأي الخاصة بهما.

للوهلة الأولى، يبدو هذا الحراك محيراً؛ فأذربيجان، من الناحية العملية، حليف وثيق لـ”إسرائيل” إلى حدّ أكبر بكثير من أيّ من الدول العربية الموقّعة على الاتفاقيات الإبراهيمية.

وعندما صنّفت “إسرائيل” إيران في أوائل التسعينيات الخطر الرئيسس الذي يتهددها، سعت إلى إقامة علاقات مع أذربيجان كقوة مضادة. فاستفادت باكو بشكل كبير من هذه العلاقة، بحيث لعبت “إسرائيل” دوراً محورياً في هزيمة أذربيجان لأرمينيا في حربهما حول إقليم ناغورنو كاراباخ المتنازع عليه عامي 2020 و2023. ووفقاً لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، شكّلت “إسرائيل” ما يصل إلى 70% من واردات أذربيجان من الأسلحة المتطوّرة. بدورها، كانت أذربيجان المورد الرئيسي للنفط لـ”إسرائيل”، إذ تمثّل ما يصل إلى 40% من إجمالي واردات النفط. ولم تعلّق باكو شحنات النفط قط خلال حرب “إسرائيل” على غزة بعد 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023. وفي إشارة إلى المزيد من تطوير العلاقات، استحوذت شركة النفط الحكومية الأذربيجانية “سوكار” مؤخّراً على حصة 10% في حقل غاز “تمار” البحري الإسرائيلي.

مواضيع متعلقة

“نيويورك تايمز”: هل روسيا عدو أم شريك مستقبلي للولايات المتحدة؟
اليوم 11:11

رسالة للناشط المعتقل في الولايات المتحدة محمود خليل.. ماذا قال فيها؟
21 آذار 11:21

وبالتالي، فإنّ القيمة المضافة لانضمام أذربيجان إلى “اتفاقيات أبراهام”، ليست واضحة من حيث مزاياها. ويبدو أنّ الأجندة الحقيقية هنا هي إضافة الولايات المتحدة إلى التحالف الثنائي القائم. وقد أعلن مكتب نتنياهو أنّ “إسرائيل” تسعى إلى “إرساء أسس متينة للتعاون الثلاثي” مع الولايات المتحدة وأذربيجان. وقد أوضح سيث كروبسي وجوزيف إبستاين، هدف هذا التحالف في مقال رأي بصحيفة “وول ستريت جورنال” بتاريخ 14 آذار/ مارس بعنوان: “زيادة الضغط بشكل كبير على الحدود الشمالية لإيران”.

ومع ذلك، ثمة عقبة أمام التنفيذ الكامل لهذا المخطط، وهي المادة 907 من قانون دعم الحرية، الذي سنّه الكونغرس في سياق حرب ناغورنو كاراباخ الأولى في مطلع التسعينيات بناءً على إلحاح اللوبي الأميركي الأرمني المؤثّر، والتي تحظر المساعدات الأميركية ومبيعات الأسلحة لأذربيجان. ومنذ بداية الحرب العالمية على الإرهاب، تنازل الرؤساء المتعاقبون عن هذا البند، إذ وُجد أنّ أذربيجان شريك مفيد. وفي هذا السياق، قدّمت باكو نفسها كحليف رئيسي ضدّ طهران، بما في ذلك من خلال الضغط غير المشروع على أعضاء الكونغرس.

ويزعم داعمو أذربيجان، الإسرائيليون والأميركيون، أنّ الإعلان عن “اتفاقية سلام” وشيكة بين أرمينيا وأذربيجان يُمثل سبباً وجيهاً لإلغاء المادة 907 نهائياً. والأدهى من ذلك، أنّ باكو كثّفت رسائلها بأنّ أرمينيا تُحضّر لحرب انتقامية لتعويض خسائرها. لكنّ هذه الادّعاءات تبدو مُخالفة للمنطق السليم، إذ يُشير توازن القوى في المنطقة بقوة إلى أنّ يريفان ليست في وضع يسمح لها بمواجهة أذربيجان المدعومة من تركيا و”إسرائيل” عسكرياً. وقد أكد رئيس وزراء أرمينيا نيكول باشينيان استعداده للتوقيع على اتفاق السلام مع باكو على الفور.

ويمكن تفسير تكتيكات باكو المُماطلة برغبتها في تعظيم نفوذها الحالي لانتزاع المزيد من التنازلات الإقليمية من يريفان، ثم إلقاء اللوم على أرمينيا في فشل محادثات السلام. لا سيمّا وأن الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف يدّعي منذ فترة طويلة أن مقاطعة سيونيك الجنوبية الأرمنية (المعروفة باسم زانجيزور في باكو) هي أرض أذربيجانية الأصل وتعهد “بإعادتها”. كما يصادف أنها جزء صغير من الأراضي الأرمنية يحدّ إيران ويفصل أذربيجان عن إقليم نخجوان. ولطالما طالبت أذربيجان بإنشاء ما يسمى بـ”ممر زانجيزور” الذي يربطها مباشرة بتركيا. إلا أنّ هذا المطلب لم تتم مناقشته في مسودة اتفاق السلام الحالية، ولم يتم إسقاطه من أجندة باكو؛ الأمر الذي يجعل أرمينيا عرضة بشكل خاص لضغوط عسكرية متجددة من أذربيجان.

من جانبها، أكدت إيران، بوضوحٍ تامٍّ أنّ أيّ تغيير في الحدود في جنوب القوقاز غير مقبول. وتخشى طهران أن يؤدّي فقدان الحدود مع أرمينيا إلى عزلها عن المنطقة، وتمكين منافستها تركيا وعدوها اللدود “إسرائيل” من ترسيخ وجودهما في ساحتها الخلفيّة. ولمنع ذلك، أجرت طهران مناورات عسكرية واسعة النطاق على طول حدودها مع أذربيجان، وحذّرت من أنها ستتدخّل عسكرياً، إذا لزم الأمر. وحتى الآن، كان ذلك كافياً لردع خطط باكو التوسّعية. وقد حقّقت هذه التحذيرات أهدافها المرجوّة. فمنذ ذلك الحين، اتخذت كلّ من باكو وطهران خطوات لتهدئة التوترات.

ويبدو أنّ السعي لإضافة أذربيجان إلى الاتفاقيات الإبراهيمية، التي يعتبرها ترامب إنجازه الأبرز في السياسة الخارجية خلال ولايته الأولى، يهدف إلى تعزيز علاقة باكو بواشنطن؛ وبالتالي تشجيع أذربيجان على اتخاذ موقف أكثر حزماً تجاه إيران. كما يهدف وضع أذربيجان في طليعة التحالف المناهض لإيران، إلى حشد الجالية الأذرية الكبيرة في إيران (التي تصل نسبتها إلى 20% من إجمالي عدد السكان)”. ولطالما دعا المحافظون الجدد المتشددون في الولايات المتحدة والمنظمات، أمثال منظمة الدفاع عن الديمقراطيات (Foundation for Defense of Democracies) ومعهد هدسون، ونظراؤهم الإسرائيليون إلى تشجيع الأقليات العرقية والدينية في إيران، بما في ذلك الأذربيجانيين، على الانتفاضة ضد النظام.

ولا شكّ في أنّ إسرائيل” وأذربيجان سترحّبان بـ”التعاون الثلاثي” مع الولايات المتحدة الذي يفضّله مكتب نتنياهو، لكن من الصعب تصوّر كيف سيخدم هذا المصالح الأميركية طويلة الأجل، ولا سيما مصلحتها في تجنّب التزامات عسكرية جديدة في الشرق الأوسط الكبير، قد تُورّط واشنطن في تحالفات قد تجرّها إلى حروب جديدة هناك، سواء بشكل مباشر أو بالوكالة.

علاوة على ذلك، لا يوجد أي سبب مقنع للولايات المتحدة لمكافأة أذربيجان، التي يحكمها نظام أسري فاسد ومستبد متهم بارتكاب جريمة تطهير عرقي لـ120 ألف أرمني من ناغورنو كاراباخ وانتهاك حقوق شعبه. وبالتالي، فإن الأهمية الاستراتيجية لأذربيجان بالنسبة للولايات المتحدة تُعد ضئيلة؛ فهي تعتمد في معظمها على “تهديد إيراني” مُبالغ فيه. والحل الأمثل للمضي قدماً هو أن تُسوّي واشنطن خلافاتها مع طهران بطريقة سلمية، وهو ما يزعم ترامب أنه يسعى إليه. وسيؤدي ذلك في نهاية المطاف إلى تبديد الحجج للتورط غير الضروري مع المزيد من العملاء غير المرغوب فيهم.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى