كتب يونس السيد في صحيفة “الخليج”: في ماراثون دبلوماسية القمم التي بدأت مع قمة المناخ في شرم الشيخ بمصر مروراً بقمة رابطة دول جنوب شرق آسيا، ثم قمة العشرين في جزيرة بالي الإندونيسية، وأخيراً قمة منتدى التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ «أبيك» في بانكوك، ثمة قاسم مشترك يتمحور حول الأمن والاستقرارالإقليمي والدولي، ومع أن هذه القمم ليست أمنية بالمفهوم الخالص للكلمة، إلا أن الهاجس الأمني فرض نفسه إما بسبب ظروف موضوعية أو لأن هناك من يسعى لأوسع حشد دولي يستهدف وقف الحروب وحل الأزمات والنزاعات بالحوار والوسائل الدبلوماسية.
قمة أبيك التي بدأت أمس في بانكوك، وهي الأولى التي تنعقد حضورياً لقادة الدول الأعضاء ال 21 منذ عام 2018، ربما تكون نسخة مكررة عن القمم التي سبقتها، أي بدلاً من التركيز على تحفيز اقتصادات الدول والبحث عن حلول اقتصادية وفتح آفاق جديدة للتعاون، وجدت نفسها تبحث في تداعيات الحرب في أوكرانيا، وارتداداتها الاقتصادية على مختلف الدول، كما وجدت نفسها تحت هاجس انعدام الأمن والاستقرار الإقليمي مع استئناف عمليات إطلاق الصواريخ الكورية الشمالية. وتماماً، على غرار الصاروخ الذي سقط في الأراضي البولندية أثناء انعقاد قمة العشرين، جاء إطلاق كوريا الشمالية صاروخاً باليستياً عابراً للقارات لينغص صفو القمة، حيث اضطرت نائبة الرئيس الأمريكي كامالا هاريس، التي تنوب عنه لبقائه في واشنطن لحضور حفل زفاف حفيدته، إلى عقد اجتماع مع الحلفاء ضم كلاً من اليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا ونيوزيلندا وكندا، تعهدوا خلاله بممارسة أقصى الضغوط على كوريا الشمالية. وفي الحالتين سطع نجم الرئيس الصيني شي جينبينغ الذي طلب منه التدخل والضغط على كوريا الشمالية لوقف تجاربها الصاروخية، مثلما كان بايدن طلب منه التوسط لدى روسيا لإنهاء الحرب في أوكرانيا.
وبالعودة إلى موضوع القمم التي يغلب عليها الطابع الاقتصادي، مع بعض الفوارق البسيطة كما في قمة شرم الشيخ، فإن البحث عن الأمن والاستقرار الإقليمي هو ما يقلق المجتمع الدولي، إذ لا يمكن تحقيق ازدهار اقتصادي بغياب الأمن والاستقرار، وبالتالي فإن الإبقاء على منطقة آسيا والمحيط الهادي التي وصفها شي جينبنغ بأنها «ليست حديقة لأحد»، تعيش في ظل صراع أمريكي صيني محموم للسيطرة على بحر الصين الجنوبي، ناهيك عن مشكلة تايوان والصواريخ الكورية الشمالية، فإنه قد يجر الجميع إلى كوارث وحروب مدمرة ما لم يتم إيجاد حلول حقيقة لها. والأسوأ أن العواقب الاقتصادية للحرب في أوكرانيا لا تزال تهيمن على العالم كله، وهناك من يعتقد أنه يجب حشد كل العالم لوقف الحرب في أوكرانيا. الرئيس الفرنسي ايمانويل، على سبيل المثال، لم يتردد في مخاطبة قادة دول «أبيك» بالقول: إن النزاع في أوكرانيا هو «مشكلتكم» أيضاً، قبل أن يتحدث عن رفض فرنسا ل«الهيمنة» و«المواجهة» وتشديدها على «الاستقرار» في تلك المنطقة. بمعنى أن أولويات تحقيق الأمن والاستقرار الإقليمي لا تزال تتقدم على البحث في الإبقاء على شبكات وسلاسل التوريد والأسواق مفتوحة والتعاون في مجال دعم تحول مستدام للطاقة