آفاق الحوار مع الأسد
كتب الصحافي رامي الخليفة العلي في صحيفة “عكاظ” السعودية:
تعرضت تركيا وسوريا إلى كارثة طبيعية متمثلة في زلزال شدته 7.7 على مقياس ريختر، مما جعل الحكومات والشعوب العربية تهبّ لتقديم يد العون للدولتين، فسيّرت المملكة العربية السعودية جسراً جويّاً لنقل المساعدات، وكانت من أوائل الدول التي أرسلت المساعدات إلى تركيا وسوريا ومنطقة شمال غرب سوريا، حيث للمملكة شركاء على مستوى المجتمع المدني مما أدى إلى سرعة وصول المساعدات. على المستوى السياسي نشطت ما تسمى دبلوماسية الأزمات حيث سارعت عدد من الدول إلى التواصل مع الحكومة السورية، وتم إيصال كثير من المساعدات عن طريق المنافذ الرسمية للدولة السورية، مما مثل خرقاً لم تشهده سوريا على امتداد السنوات الماضية. السؤال الذي طرح خلال الأيام الماضية إذا ما كانت هذه الدبلوماسية تمثل إعادة الحوار مع النظام السوري أم أنها حركة دبلوماسية تمثل ردة فعل طبيعية للكارثة وتداعياتها الإنسانية؟
تجمد الملف السوري على امتداد السنوات الماضية، بعيد القضاء على تنظيم داعش واتفاق كل من إيران وتركيا وروسيا والولايات المتحدة على تقاسم الكعكة السورية، حيث ضمن كل طرف من هذه الأطراف مصالحه ومناطق نفوذه في الأرض السورية. هذا الواقع السياسي والميداني كانت له آثاره الكارثية على سوريا الدولة فقد أنتج بلداً مقسماً إلى مناطق نفوذ وتسليم البلاد والعباد في مناطق كثيرة إلى مليشيات متصارعة فيما بينها، بل حتى قوات النظام تحولت إلى مليشيات تتصارع مع مليشيات إيرانية حول مناطق النفوذ وأحقية السيطرة، وكذا الأمر في مناطق المعارضة حيث تتعدد الجهات وتجار الحروب، فضلاً عن المليشيات الكردية أو تلك التابعة لقوات التحالف في التنف. اقتصاد الحرب ووصول الاقتصاد السوري إلى شفا الانهيار والعقوبات التي يتعرض لها النظام وإغلاق الولايات المتحدة للنافذة اللبنانية عبر العقوبات التي فرضت على المصارف التابعة لحزب الله والتي كانت تتحايل على العقوبات المفروضة على النظام السوري، كل هذا جعل سوريا على أعتاب المجاعة بعد انزياح فئات اجتماعية كبيرة نحو الفقر المدقع وعدم القدرة على الحصول على المواد الغذائية الأساسية. سياسة إبقاء الوضع الراهن والحفاظ عليه التي اتبعتها واشنطن ووافقت عليها الدول المتداخلة بالشأن السوري وصلت إلى طريق مسدود وتهدد بالانفجار. لذلك سوريا أمام خيارين؛ إما الدفع باتجاه حل سياسي وحتى الآن لا يبدو أن هناك توافقاً إقليمياً ودولياً يسير في هذا الاتجاه، وربما حان الوقت لعقد مؤتمر دولي يقر خطة حقيقية للحل في سوريا ويحرص على تنفيذها، وحتى يتم هذا المؤتمر لا يبقى سوى خيار الحوار مع نظام الأسد للتخفيف من آلام ما تبقى من الشعب السوري، المشكلة أن هذا الحوار بحاجة إلى الحد الأدنى من استعادة الدولة السورية، وهذا لا يتم إلا من خلال إبعاد المليشيات الإيرانية وأن تكف سوريا أن تكون قاعدة إيرانية متقدمة، ومحاربة النظام لكل ما من شأنه أن يهدد دول الجوار وخصوصاً عصابات الجريمة المنظمة التي تعمل بتوجيه من حزب الله لإغراق دول الخليج بالمخدرات، وأن يتخذ خطوات نحو بعض فئات المجتمع السوري التي عانت من القهر الأمني خلال السنوات الماضية، ومنها الإفراج عن المعتقلين السياسيين، وخطوات أخرى كثيرة تساعد في فتح صفحة جديدة بعيداً عن الغالب والمغلوب. ما دون ذلك فإن الخطوات التي شهدناها في الأيام الماضية تبقى ناقصة ولن تكتمل أبداً. السؤال: هل النظام السوري راغب في هذه الإجراءات؟ وإذا كان راغباً هل هو قادر على القيام بذلك؟
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن “رأي سياسي” وإنما تعبر عن رأي صاحبها حصرا