رأي

آسيا الوسطى الكبرى… تركيا والاستثمار في الاستراتيجية الأميركية

كتب يوسف بد, في “النهار” :

تركيا التي تعزّزت مكانتها الجيوسياسية بعد حرب تحرير مرتفعات ناغورني كراباخ وكذلك بعد سقوط نظام الأسد، تدرك أن الرئيس ترامب الذي خطط للانسحاب من أفغانستان ويعمل الآن على إنهاء الحرب في أوكرانيا، لا يتجاهل أمن أوروبا

لم يكُن خطاب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، خلال مؤتمر الدول شريكة الاتحاد الأوروبي، الجمعة 7 آذار/مارس، استغلالاً لحالة الغضب الأوروبية من الرئيس الأميركي، على خلفية موقفه الرافض لدعم الحلف الأطلسي، إذ دعا أردوغان إلى أن تصبح بلاده شريكة في التخطيط لأمن أوروبا، بل كان استثماراً في الاستراتيجية الأميركية “نحو آسيا”، فالطريق يمر عبر أوروبا ثم تركيا وصولاً إلى جنوب القوقاز وبحر قزوين وآسيا الوسطى. 


وتركيا التي تعزّزت مكانتها الجيوسياسية بعد حرب تحرير مرتفعات ناغورني كراباخ وكذلك بعد سقوط نظام الأسد، تدرك أن الرئيس ترامب الذي خطط للانسحاب من أفغانستان ويعمل الآن على إنهاء الحرب في أوكرانيا، لا يتجاهل أمن أوروبا، ولكنه لا يريد أن تصبح أزماتها الأمنية عائقاً أمام تمهيد الطريق نحو آسيا، التي تركيا بوابة مهمة نحو وسطها.


نحو المعادن


عندما أشار  ترامب إلى رغبته في الاستيلاء على جزيرة غرينلاند، أو عندما وبّخ الرئيس الأوكراني لعدم استعداده للسلام، وكذلك عندما طالب حركة “طالبان” بتسديد فاتورة الأسلحة الأميركية، كان هدفه الحصول على الموارد الطبيعية، لا سيما من العناصر المعدنية النادرة والضرورية في إنتاج السلع العالية التقنية والصناعات المختلفة، مثل النحاس والليثيوم والنيكل واليورانيوم، وذلك في مواجهة الصين المنافس الاقتصادي الأول لبلاده، والتي احتلت المرتبة الأولى في امتلاك احتياطي المعادن النادرة في العالم، وخاصة أن واشنطن لا تريد الاعتماد على منافستها وتسعى للحصول على مصادر بديلة لاستيراد هذه المعادن الحيوية التي تسهم في أمنها التكنولوجي. 


وهنا تتجه الأنظار نحو جيران الصين في آسيا الوسطى الغنية بمصادر الطاقة والمعادن، وهو ما سيجلب فرصاً جديدة وأخطاراً جدّية لبلدان تلك المنطقة. فترامب الذي قال في كانون الثاني/يناير الماضي، إن “كازاخستان يمكنها القيام بدور في البحث عن حل ديبلوماسي في أوكرانيا”، لم يكن كلامه غريباً بربطه بين بلدين بعيدين جغرافياً، بل كان يشير إلى صوغ علاقات جديدة تقوم على وجهة الولايات المتحدة نحو ما يسدّ العجز في موارد قطاعها الصناعي.


آسيا الوسطى الكبرى

إن وضع منطقة آسيا الوسطى في اهتمامات السياسة الخارجية الأميركية يتطلب فتح ممرات تجارية وشراكات أمنية واقتصادية من أجل إخراج تلك المنطقة الحبيسة إلى البحار المفتوحة، وهو ما يثير الحديث عن مشروع آسيا الوسطى الكبرى (آسيا الوسطى+جنوب القوقاز) ودور تركيا عبر شراكتها مع حليفتها أذربيجان في تحقيق ذلك وخطتهما لفتح ممر “زنكه زور” للربط بين أوروبا وآسيا الوسطى مباشرة عبر الأراضي والموانئ التركية، وهو ما يحتاج إلى إقناع روسيا أولاً بهذا المشروع الذي يواجه معارضة شديدة من جانب إيران، وخاصة أن تنفيذه سيقود إلى تغيير شامل في ديناميكية علاقات دول تلك المنطقة.


إن توقيع تركيا على اتفاقيات تعاون عسكري مع دول مثل أوزبكستان وكازاخستان وتزويدهما بالأسلحة التركية لجعل أنظمتهما الدفاعية ومعداتهما العسكرية متوافقة مع معايير حلف شمال الأطلسي، يمثل تمهيداً لتغلغل الأسلحة الأميركية بشكل تدريجي إلى منطقة تدخل ضمن أحلام الدولة التركية ببناء جيش تركي موحّد (جيش توران)!


وكذلك يمكن النظر إلى الدعوة التي وجهتها دول آسيا الوسطى (C5) إلى أذربيجان لحضور اجتماعاتها في آب/أغسطس 2024 في أستانا في كازاخستان، باعتبارها بمثابة خطوة نحو تشكيل تحالف بين ضفتي شرق بحر قزوين  وغربه على غرار رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان). وكذلك على سبيل المثال لا الحصر، فإن إعلان أنقرة الشراكة الاستراتيجية بين تركيا وأذربيجان وأوزبكستان، في 29 كانون الثاني 2025، هو بمثابة محاولة لبناء محور استراتيجي يمتد من آسيا الوسطى مروراً بجنوب القوقاز وصولاً إلى حدود أوروبا. وهو ما يخدم استراتيجية “نحو آسيا” التي أطلقتها عملياً إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما بإطلاقها صيغة C5+1 للشراكة بين الولايات المتحدة ودول آسيا الوسطى. 

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى