خاصأبرزرأي

ورقة برّاك تسقط بهدوء بعيدا عن الصخب السياسي

حسين زلغوط
خاص “رأي سياسي”:

في خضمّ أزمة سياسية وأمنية متشابكة، تصدّرت “ورقة توم براك” واجهة المشهد اللبناني–الإسرائيلي، بوصفها محاولة أميركية لتفكيك التوتر القائم على الحدود الجنوبية وإعادة تنظيم العلاقة بين الدولة اللبنانية و”حزب الله”. الورقة التي حملت عنوانًا ناعمًا وتفاصيل حساسة، قوبلت بموافقة لبنانية موحدة، لكن الرد الإسرائيلي غاب تمامًا، ما أسقط إمكانية الانتقال إلى مرحلة التنفيذ.
الورقة لم تُطرح بصيغة اتفاق ملزم، بل كمبادرة تهدف إلى استطلاع موقف الطرفين من مجموعة قضايا تتعلق بالأمن، والسلاح، والسيادة، والحدود. وقد شكل الرد اللبناني نقطة تقاطع نادرة بين الرؤساء الثلاثة، الذين اتفقوا على صياغة جواب موحد يتضمن: الالتزام بحصر السلاح في يد الدولة كخيار نهائي، والتأكيد على تطبيق مبدأ “الخطوة مقابل الخطوة”، أي تزامن أي انسحاب أو ضبط سلاح مع وقف كامل للاعتداءات.
لكن في الجهة المقابلة، التزمت إسرائيل الصمت لعدة ايام قبل رفضها، مع غياب اي إشارات إلى استعداد سياسي للدخول في حوار مباشر أو غير مباشر حول مضامينها. هذا الامتناع عن الرد، رغم الطابع غير الملزم للمبادرة، أسقط الورقة فعليًا، أو على الأقل جمّدها إلى أجل غير مسمّى.
ثمة عوامل عدّة ساهمت في إفشال المبادرة: غياب الإرادة الإسرائيلية للدخول في مسار سياسي، خصوصًا في ظل حالة توتر مزمن مع “حزب الله”، ورفض أي صيغة تُشعر تل أبيب أنها تقدم تنازلات أو اعترافًا بدور الدولة اللبنانية في فرض حلول على أرض الواقع.
-الانقسام اللبناني الداخلي المغطى بالتوافق الشكلي، اذ وبرغم توحيد الردّ، لا يزال الملف متشابكًا داخليًا، حيث يتم التعامل مع “سلاح حزب الله” من منطلقات متناقضة، بين من يراه جزءًا من الدفاع الوطني، ومن يعتبره عائقًا أمام قيام الدولة.
والسؤال: ماذا بعد رفض إسرائيل التوقيع؟
سقوط الورقة لا يعني نهاية المساعي السياسية، لكنه يفرض واقعًا جديدًا أكثر تعقيدًا. لبنان، بعد أن أظهر استعدادًا للحوار المشروط، يجد نفسه أمام فراغ تفاوضي لا يُملأ بسهولة، وبين هذا وذاك فان الوضع القائم سيستمر على ما هو عليه، أي بقاء حالة اللاحرب واللاسلم، مع تكرار الاشتباكات الموضعية والخروقات الاسرائيلية، دون أفق لحل دائم، وتحول الورقة إلى مرجعية دبلوماسية مؤجلة، قد يُعاد إحياؤها في ظرف دولي مختلف أو في حال تغيرت القيادة السياسية في أي من الطرفين.
ما من شك ان فشل المبادرة قد يُفسر لدى بعض الأطراف كضوء أخضر لتصعيد تدريجي، خاصة في ظل استمرار التهديدات الإسرائيلية بفرض منطقة عازلة داخل الأراضي اللبنانية، وقد تسعى بعض القوى الكبرى إلى فرض مقاربة جديدة أكثر صرامة، تشمل عقوبات، أو شروطًا مباشرة على الدعم المالي للبنان.
نختم لنقول: إن فشل ورقة برّاك لا يكمن فقط في غياب توقيع اسرائيل لها، بل في غياب الإرادة الحقيقية لتفكيك عقدة الصراع المزمن على الأرض اللبنانية. الورقة التي كادت تُشكّل مدخلًا لتفاوض حذر، تحوّلت إلى مناسبة لتأكيد عمق الانقسام الإقليمي والدولي، وها هي تسقط بهدوء، تمامًا كما طُرحت، دون صخب.. ولكن بنتائج ثقيلة على المرحلة المقبلة.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى