كتب المعلق الأميركي ديفيد إغناتيوس في صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية مقالة تناول فيها زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن المرتقبة إلى المملكة العربية السعودية. وقال إن القاموس يُعرّف “السياسة الواقعية” بأنها “سياسة تستند إلى القوة بدلاً من المُثُل أو المبادئ”، ونحن على وشك رؤية نسخة من هذا قيد التنفيذ عندما يزور الرئيس بايدن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في السعودية.
يعتزم بايدن زيارة الرياض في أواخر حزيران / يونيو، بعد توقف في فلسطين المحتلى للقاء رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت. وأثناء وجوده في السعودية، التي تستضيف مجلس التعاون الخليجي هذا العام، من المرجح أن يلتقي الرئيس بايدن بقادة دول عربية صديقة أخرى، مثل الإمارات العربية المتحدة والبحرين وقطر. لكن المحور العاطفي سيكون مصافحة بايدن لولي العهد السعودي محمد بن سلمان.
وتابع الكاتب: كان منتقدو المملكة يخشون تلك اللحظة. إنهم يعتقدون – وأنا بدوري أعتقد – أن يد محمد بن سلمان ملطخة بالدماء، بسبب ما وصفته وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية بأنه تفويضه للعملية السعودية التي قتلت الكاتب الصحافي جمال خاشقجي في اسطنبول في تشرين الأول / أكتوبر 2018.
وأوضح الكاتب أن هذا الاحتضان الأميركي لولي العهد السعودي كان سيأتي منذ عدة أشهر. تشمل الأسباب المخاوف البراغماتية التي تتوقعها: من المحتمل أن يحكم محمد بن سلمان السعودية لعقود؛ للولايات المتحدة مصالح أمنية ومالية في الحفاظ على شراكتها الطويلة مع المملكة؛ المملكة العربية السعودية حليف في جهد مشترك لاحتواء ما أسماه “أعمال إيران المزعزعة للاستقرار في المنطقة”.
وقال إن عاملين جديدين حاسمان بالنسبة إلى البيت الأبيض في عهد بايدن قد أثرا هما: الأول هو الحرب في أوكرانيا، وحاجة بايدن إلى مساعدة السعودية في تنظيم سوق النفط. والثاني هو رغبة “إسرائيل” القوية في أن يقوم بايدن بتطبيع العلاقات مع محمد بن سلمان والمملكة كجزء من إعادة اصطفاف واسعة تختصر باتفاقيات أبراهام.
وقال أغناتيوس إن مسؤولاً إسرائيلياً كبيراً قال له أمس الثلاثاء: “نعتقد أن السعودية لاعب مهم في المنطقة وخارجها. نحن نؤيد بشدة توثيق العلاقات بين الولايات المتحدة والسعودية، في سياق تحقيق الاستقرار في المنطقة، واحتواء إيران، وتطبيع العلاقات مع إسرائيل، وتحقيق الاستقرار في سوق الطاقة.”
وأضاف الكاتب أن الاتصالات الأمنية الإسرائيلية مع السعودية مكثفة بالفعل، لكنها في الغالب سرية، ومن غير المرجح أن يتغير ذلك قريباً. فقد أثارت رحلة بايدن إلى الشرق الأوسط بعض الآمال في فرصة التقاط صور ثلاثية – بايدن وبينيت ومحمد بن سلمان – لكن الوقت لم يحن بعد. فحالياً، من المحتمل أن يكون الناتج الرئيسي هو اتفاق سعودي رسمي للسماح بالتحليقات الجوية الإسرائيلية في المملكة. إن الدفع الإسرائيلي القوي للتقارب بين الولايات المتحدة والسعودية أمر بالغ الأهمية من الناحية السياسية، وذلك لأن السعودية لديها اليوم عدد قليل من المؤيدين السياسيين في واشنطن. فعلى الرغم من عقود من جهود ممارسة الضغط، فقد أحرقت المملكة تدريجياً جسورها مع الجمهوريين والديمقراطيين على حدٍ سواء. وبدا أن الرئيس دونالد ترامب يعيد إحياء الصداقة، لكن ذلك لم يكن قاعدة صلبة.
وتابع الكاتب: يبدو أن الحلفاء الرئيسيين الآخرين للولايات المتحدة حريصون بدورهم على أن تجدد واشنطن علاقاتها مع الرياض. فقد زار كل من رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون محمد بن سلمان في السعودية. لقد شجعوا بايدن على فعل الشيء نفسه.
وأوضح أغناتيوس: لقد تجاهل بايدن محمد بن سلمان لأشهر عدة، ورفض العام الماضي إجراء مكالمة هاتفية ودية كان يريدها ولي العهد السعودي، ثم عاد بايدن وطلب ذلك. وقال: أعتقد أن أحد أسباب ازدراء بايدن لمحمد بن سلمان كان شخصياً، فالرجلان مختلفان مثل الطبشور والجبنة، كما يقول البريطانيون. كان بايدن مستعداً لمصافحته في قمة مجموعة العشرين في روما في تشرين الأول / أكتوبر الماضي، لكن محمد بن سلمان لم يحضر، مما جنّب بايدن لحظة محرجة.
وأضاف الكاتب: “سيكون اجتماع بايدن ومحمد بن سلمان جزءاً من تواصل أميركي واسع النطاق مع “القوى الوسطى”، كما وصفها توم دونيلون، مستشار الأمن القومي الأميركي السابق والذي لديه رابط وثيق بالبيت الأبيض في عهد بايدن. وشمل التواصل رحلة بايدن الشهر الماضي إلى آسيا، و”قمة الأميركيتين” الأسبوع المقبل في لوس أنجلوس، والرحلة المخطط لها إلى الكيان الإسرائيلي والسعودية في وقت لاحق من هذا الشهر، وقمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) يومي 29 و30 حزيران / يونيو. الهدف من كل هذه الزيارات هو تعزيز الشراكات الأميركية في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا”.
وتابع: بالنسبة لمناصري السياسة الخارجية البراغماتية، فإن السؤال الأساسي هو ما الذي ستحصل عليه إدارة بايدن في مقابل جلوس بايدن مع محمد بن سلمان. من الناحية المثالية، من وجهة نظر واشنطن، قد تنفصل المملكة عن روسيا في ما يسمى كارتل منتجي “أوبك بلاس”، وتوافق على إنتاج المزيد من النفط ودعم زيادة إنتاج مماثلة من قبل الإمارات العربية المتحدة. من شأن ذلك أن يخفف أسعار النفط ويعزز الاقتصاد العالمي ويقوض روسيا دفعة واحدة مما يمنح بايدن دفعة سياسية يحتاج إليها بشدة.
وأشار أغناتيوس إلى تراجع حرب اليمن، التي ربما تكون أكثر أخطاء محمد بن سلمان دموية، ويرجع الفضل في ذلك جزئياً إلى الجهود الدبلوماسية التي تبذلها الولايات المتحدة. فالهدنة التي تم التفاوض عليها بمساعدة السعودية صامدة، وأقلعت طائرات ركاب من صنعاء إلى عمان وقريباً (اليوم) إلى القاهرة. ولكن فيما يتعلق بأية مساءلة ذات مغزى من محمد بن سلمان بشأن وفاة خاشقجي أو غيرها من قضايا حقوق الإنسان المهمة، من المرجح أن يخرج بايدن صفر اليدين.
وختم الكاتب مقالته بالقول: “عاقبت الولايات المتحدة العديد من المسؤولين (السعوديين) الصغار، ولم يقدم الزعيم السعودي نفسه سوى تصريحات لطيفة، نافياً المسؤولية الشخصية عن العملية التي أدت إلى مقتل خاشقجي. ومن الواضح أنه خلص إلى أن أي تنازلات أكبر سينظر إليها في الداخل على أنها علامة ضعف وليست ضرورية. إن السياسة الواقعية لها مكانها في السياسة الخارجية، لكن الافتقار إلى المساءلة يمثل مأساة دائمة. بعبارات بسيطة، أفلت محمد بن سلمان من العقاب”.