أبرزرأي

هل يدخل لبنان ولايةً نيابية جديدة بلا انتخابات؟

باسم المرعبي, ناشر موقع “رأي سياسي”:

في ظلّ مناخ سياسي مضطرب، وانقسامات داخلية متزايدة حول أكثر من ملف واستحقاق، عاد الحديث في الصالونات السياسية عن التمديد لمجلس النواب، وسط مؤشرات مقلقة عن احتمال ترحيل الاستحقاق النيابي مرة جديدة، بذريعة الظروف الاستثنائية التي تمرّ بها المنطقة، وإشكالية قانون الانتخاب، وملف اقتراع المغتربين، وعدم استقرار الأوضاع الأمنية في بعض المناطق الجنوبية والبقاعية نتيجة الاعتداءات الإسرائيلية المتتالية.

في الأروقة السياسية، تتكثّف المشاورات خلف الكواليس بين الكتل الكبرى، وسط مؤشرات إلى تبلور توافق ضمني على تمديد ولاية البرلمان الحالي برئاسة الرئيس نبيه بري، لولاية كاملة قد تمتد لأربع سنوات، أو على الأقل لفترة انتقالية تُبرَّر بوجود “ظروف قاهرة” تعيق إجراء انتخابات حرّة ونزيهة.

وبحسب مصادر نيابية متابعة، فإن الحديث لم يعد يدور حول مبدأ التمديد من عدمه، بل حول مدّته وشكله القانوني والدستوري، وكيفية تسويقه داخليًا وخارجيًا.

وتُبرّر بعض القوى السياسية الدفع نحو التمديد بسلسلة من “الوقائع الموضوعية”، أبرزها:

  1. الانقسام حول قانون الانتخاب:
    إذ لا يزال قانون الانتخابات الحالي، القائم على النسبية و15 دائرة، موضع خلاف واسع بين الكتل، في ظلّ طروحات لتعديله أو حتى العودة إلى النظام الأكثري، وهو ما يعقّد إمكانية الذهاب إلى صناديق الاقتراع في ظل غياب التوافق على آلية الانتخاب، سيّما وأن كتلًا نيابية من أطياف سياسية متعددة تحارب من أجل إسقاط تعديلات على القانون الحالي، وهي تلقى مقاومة شرسة من الرئيس نبيه بري الذي يتمسّك بالصيغة الحالية لخوض غمار الاستحقاق النيابي المقبل.
  2. ملف اقتراع المغتربين:
    لقد شكّلت مشاركة المغتربين في الدورة السابقة مصدر توتّر بين القوى السياسية، وسط اتهامات بالتلاعب والتجيير السياسي، وما زاد الطين بلّة هذه المرة مطالبة كتل نيابية مسيحية، ومعها عدد من النواب الوسطيين والتغييريين، بتوسعة بيكار عملية اقتراع المنتشرين لتشمل كامل المقاعد النيابية وعدم حصر ذلك بستة مقاعد فقط، وهو ما لم يتجاوب معه الرئيس بري الذي رفض إدراج اقتراح القانون المتعلق بالتعديل على جدول أعمال الجلسات العامة السابقة، وهو سيفعل الشيء نفسه في الجلسات التشريعية اللاحقة.
    وإضافة إلى ذلك، تُطرح تساؤلات حول جهوزية وزارة الخارجية للإشراف على العملية في حال حصولها، لا سيّما في ظلّ الأزمة المالية المستمرة.
  3. الوضع الأمني جنوبًا:
    خلال الحرب الأخيرة بين لبنان وإسرائيل، والتي ما تزال ارتداداتها حتى الآن، نزح عشرات الآلاف من سكان القرى الجنوبية التي تعرّض العديد منها إلى التدمير الكامل، وجزء لحق به دمار هائل، ما يطرح تحديًا لوجستيًا كبيرًا بشأن ضمان حق هؤلاء في التصويت، فضلًا عن صعوبة تنظيم العملية الانتخابية في مناطق يسيطر على أجوائها الطيران المسيّر، وهي مهددة بالقصف في أيّة لحظة.

الواقع الدستوري:

يُفترض من الناحية الدستورية أن تُجرى الانتخابات النيابية في موعدها كل أربع سنوات، لكن التجربة اللبنانية شهدت منذ عام 2013 تكرار حالات التمديد تحت شعارات “الاستقرار”، وهو ما اعتبره البعض ضربًا لمبدأ تداول السلطة، ونسفًا لجوهر الديمقراطية.

وفي حال إقرار التمديد هذه المرة، ستكون هذه الولاية الرابعة على التوالي التي يُمدَّد فيها للمجلس خارج الأطر الانتخابية الطبيعية، مما يُفاقم أزمة الثقة بين المواطن والدولة، ويُعمّق الشعور بانسداد الأفق السياسي.

من هنا، فإنه في حال وقع التمديد للمجلس الحالي، سيُعاد تثبيت الرئيس نبيه بري في موقعه كرئيس للمجلس النيابي، وهو الذي يُعدّ من أعمدة النظام السياسي منذ عقود. لكن بقاءه في الرئاسة، ضمن سلطة ممدَّدة، قد يثير اعتراضات جديدة من القوى التي تطالب بتجديد الطبقة السياسية وتدوير المواقع الدستورية، وخصوصًا في ظل الحديث عن تغيّرات إقليمية قد تفرض معادلات سياسية جديدة في الداخل اللبناني.

وانطلاقًا مما تقدّم، تُحذّر قوى معارضة وتيارات تغييرية من مغبّة التلاعب بالاستحقاق الانتخابي، واعتبرت أيّ تمديد “انقلابًا ناعمًا على الديمقراطية”، وفي المقابل، من المتوقع أن يطلق المجتمع المدني موجة من التحركات الميدانية رفضًا لتمديد قد يُفقد المؤسسات آخر ما تبقّى من شرعية تمثيلية.

وبما أن أيّ استحقاق داخلي له اهتماماته الخارجية، فإنه حتى الساعة لم يصدر أيّ موقف دولي صريح حول إمكانية التمديد، حيث يعتبر البعض أنه من المبكر ذلك، فيما تُطلق بعض الدول مواقف تعبّر عن موقفها الداعم لإجراء أيّ استحقاق في موعده الدستوري.

إلّا أن مصادر نيابية أشارت إلى أن المجتمع الدولي “يتفهّم” التحديات التي تواجه لبنان، لكنه لا يُشجّع على خطوات قد تزيد من اهتزاز النظام الدستوري، محذّرة من تأثير ذلك على المساعدات الدولية وملف الإصلاحات.

وأمام هذه التعقيدات، يقف لبنان مجددًا أمام مفترق حاسم: فإمّا التوجّه نحو تمديد مشروط ومحكوم بسقوف زمنية، وإمّا الانزلاق إلى فراغ تشريعي ودستوري قد يُفاقم الشلل العام.

وفي الحالتين، تبقى الثقة الشعبية في الدولة ومؤسساتها هي الضحية الأبرز، في بلد يختنق بأزماته ويبحث عبثًا عن بوادر أمل

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى