
حسين زلغوط; خاص – “رأي سياسي“:

يبدو أنه بعد اندلاع الحرب الإسرائيلية – الإيرانية الأخيرة، ثم الضربة الأمريكية للمواقع النووية الإيرانية، أن موازين القوة في المنطقة قد تغيّرت بشكل جذري، وعلى الرغم من أن هذه الحرب كانت محصورة إلى حدٍّ كبير بين الهجمات المتبادلة والتكتيك العسكري المكثّف، إلا أن آثارها كانت كارثية على البنية التحتية الإيرانية. فالهجمات الإسرائيلية على المنشآت النووية الإيرانية كانت جزءًا من خطة استراتيجية تهدف إلى تعطيل قدرة طهران على تطوير الأسلحة النووية. ومن جهةٍ أخرى، حاولت إيران، من خلال عمليات انتقامية، توجيه ضربات استهدفت القواعد العسكرية الإسرائيلية وحلفاءها في المنطقة، ممّا أسفر عن خسائر بشرية ومادية كبيرة للطرفين.
ورغم أن الحرب لم تتحوّل إلى نزاع شامل على مستوى المنطقة، فإنها أحدثت تغييرًا واضحًا في المشهد الإقليمي، وزادت من تعقيد العلاقات بين إيران والدول الكبرى، بما في ذلك الولايات المتحدة.
ومن خلال الخطوة العسكرية التي قامت بها الولايات المتحدة ضد إيران، اعتقدت واشنطن أنها قد أرسلت رسالة قوية إلى طهران، مفادها أن أيّ تجاوز للخطوط الحمراء المتعلّقة بالبرنامج النووي الإيراني سيُقابل بردّ فعل حاسم. وقد جدّد هذا الهجوم الجدل حول أسلوب التدخل العسكري في القضايا النووية، وأثار تساؤلات حول مدى قدرة الضغوط العسكرية على إحداث تغيير حقيقي في سياسة إيران النووية.
لا شكّ أن هذه التطورات سيكون لها تداعيات كبيرة على السياسة الإقليمية والدولية. ففي طهران، عزّز الهجوم الأمريكي من مواقف المتشدّدين الذين يطالبون بتطوير القدرات العسكرية الإيرانية، بما في ذلك تعزيز قدرات الدفاع الجوي والهجمات على مصالح الغرب في المنطقة. كما أدّت هذه التطورات، في المقابل، إلى مزيد من التضييق على الاقتصاد الإيراني، في وقتٍ يعاني فيه من آثار العقوبات الغربية المتواصلة.
أما على مستوى الشرق الأوسط، فإن الحرب الأخيرة والضربة الأمريكية قد تعيد ترتيب التحالفات في المنطقة. فمن المرجّح أن تسعى الدول الخليجية إلى تعزيز علاقاتها مع واشنطن، بينما قد يتزايد التنسيق بين إيران وحلفائها في المنطقة.
وعلى الصعيد الدولي، قد تزداد عزلة إيران إذا استمرّت في رفض العودة إلى المفاوضات أو الامتثال للاتفاقات السابقة. وفي حال استمرّ التصعيد العسكري، فإنّ ذلك قد يؤدي إلى توتر العلاقات بين إيران وحلفائها في آسيا وأوروبا.
في ظلّ هذا الوضع المعقّد، تظلّ التساؤلات قائمة حول إمكانية العودة إلى المفاوضات حول الملف النووي الإيراني. فقد أبدت بعض الأطراف، مثل الاتحاد الأوروبي، رغبتها في إعادة إحياء مفاوضات فيينا بهدف التوصّل إلى اتفاق جديد، لكن العقبات لا تزال كبيرة.
من جانبها، لن تكون طهران على استعداد للجلوس إلى طاولة المفاوضات ما لم تتلقَّ ضمانات حقيقية برفع العقوبات الاقتصادية، وهو ما يمثّل أحد أكبر التحديات أمام أيّ اتفاق مستقبلي. ومن جهة أخرى، ستظلّ واشنطن وأوروبا تُصرّ على ضرورة شفافية إيران في برنامجها النووي، والحدّ من قدراتها على تخصيب اليورانيوم.
وأمام هذا المشهد، تُعدّ الحرب الإسرائيلية – الإيرانية الأخيرة والضربة الأمريكية للموقع النووي الإيراني بدايةً لمرحلة جديدة من الصراع في الشرق الأوسط. ورغم أن الطريق أمام التفاوض والتوصّل إلى اتفاق قد يكون معقّدًا، فإنّ الأطراف المعنيّة ستظلّ تبحث عن طرق لتجنّب التصعيد العسكري الكبير، مع التأكيد على ضرورة ضمان أمن المنطقة، وعدم السماح بانتشار الأسلحة النووية.