هل قوّضت حرب غزة صورة بايدن أمام الناخبين؟

منذ اندلاع حرب غزة قبل ستة أشهر، حاول الرئيس الأميركي جو بايدن مراراً وتكراراً إقناع ناخبيه بأنه «مجهّز بشكل فريد لمواجهة هذه الأزمة العالمية».
إلا أن الحرب التي تصاعدت يوماً بعد يوم لتتحول كارثة إنسانية مروعة، يمكن أن تكون قد جاءت بنتائج عكسية بالنسبة للرئيس الأميركي، الذي أعلن دعمه لإسرائيل منذ بداية الصراع.
فقد أكد تقرير نشره موقع «بوليتيكو» الإخباري أن أعضاء الحزب الديمقراطي وبعض مستشاري وحلفاء بايدن المقربين يشعرون بالقلق من تسبب الحرب في تقويض صورته كزعيم عالمي ذي خبرة بين الناخبين، مشيرين إلى أن الاستمرار في تحمل تعنت رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يخاطر بالإضرار بأهداف بايدن في الخارج والداخل.
وقد ترددت هذه المخاوف في سلسلة من المقابلات التي أجراها «بوليتيكو» مؤخراً مع أعضاء مجلس الشيوخ البارزين الديمقراطيين، بما في ذلك تيم كين وبيرني ساندرز.
دفعة غير معلنة
قال موقع «بوليتيكو» إن هذه المخاوف كانت بمثابة دفعة خفية غير معلنة لقرار البيت الأبيض الأسبوع الماضي بإصدار تهديد صارخ لنتنياهو بأن الدعم الأميركي يمكن أن يتبخر إذا لم تقم إسرائيل بإعلان وتنفيذ سلسلة من الخطوات المحددة والملموسة لمعالجة الضرر الذي يلحق بالمدنيين وضمان سلامة عمال الإغاثة، وذلك في أعقاب الهجوم الصاروخي الإسرائيلي الذي أدى إلى مقتل سبعة من عمال الإغاثة يعملون في منظمة المطبخ المركزي العالمي في غزة.
وكان هذا التحذير بمثابة تحول مفاجئ في الموقف مدفوعاً بأشهر من الإحباط من أفعال نتنياهو، وحربه التي أودت بحياة عشرات الآلاف من المدنيين، وتسببت في خسارة بايدن لمؤيديه السابقين من العرب والمسلمين، ومواجهته احتجاجات في كل مكان يسافر إليه تقريباً.
وتحدث مات دوس، نائب الرئيس التنفيذي لمركز السياسة الدولي والمستشار السابق للسيناتور بيرني ساندرز عن طريقة تعامل بايدن مع الحرب بقوله: «لقد قوضت أحد أهم نقاط قوته ضد ترمب، وهي سمعته».
وأضاف: «كان الجميع ينظرون لبايدن على أنه رجل لطيف وعاطفي ونزيه، لكن تداعيات الحرب كانت قاسية عليه في هذا الشأن».
ومن جهته، قال السناتور الديمقراطي تيم كين، الذي يشغل منصب عضو لجنة الشؤون الخارجية ولجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ: «أشيد بالرئيس بايدن لنجاحه في حث رئيس الوزراء نتنياهو على فتح معبر حدودي آخر من إسرائيل للسماح بإيصال المساعدات الإنسانية بشكل قوي، لكن هذا الحل كان ينبغي أن يحدث قبل أشهر».
وأضاف كين أن نهج بايدن الحالي مع إسرائيل «غير ناجح».
وقال السيناتور الأميركي كريس فان هولين، الديمقراطي من ولاية ميريلاند: «ما حدث مؤخراً بين بايدن ونتنياهو يظهر أن الرئيس الأميركي حين يستخدم نفوذه لفرض مطالبه، فإنه يحصل على النتائج التي يرغب فيها».
وأضاف: «ستبدو الولايات المتحدة عاجزة أمام العالم كله إذا لم نطابق أقوالنا بأفعالنا».
ومن ناحيته، دافع المتحدث باسم البيت الأبيض أندرو بيتس عن سياسة الرئيس الأميركي، وقال في بيان إن «خبرة بايدن الكبيرة وثباته وعلاقاته وقيمه كانت حاسمة في التعامل مع تحديات السياسة الخارجية الصعبة في الشرق الأوسط والعالم كله».
استياء شعبي
هناك دلائل تشير إلى أن المواطنين الأميركيين يشعرون بالاستياء من تعامل بايدن مع الصراع. فوفقاً لاستطلاع أجرته مؤسسة «غالوب» في مارس (آذار)، قال 47 في المائة فقط من الديمقراطيين إنهم يوافقون على استراتيجية بايدن في الشرق الأوسط، بانخفاض عن 60 في المائة في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي. ومن بين المستقلين، بلغت نسبة تأييد استراتيجية الرئيس في الشرق الأوسط 21 في المائة.
وتغلغلت تلك العلامات التحذيرية في الدائرة الداخلية لبايدن في الأسابيع الأخيرة. وقال أحد كبار المستشارين، الذي رفض الكشف عن هويته، إن هناك قلقاً من أن الصعوبة التي يواجهها بايدن في السيطرة على نتنياهو يمكن أن تقوض ادعاءه بالكفاءة وتؤثر سلباً على صورته في أعين الناخبين، وتؤيد ادعاء ترمب بأنه أكثر جرأة منه على المسرح العالمي.
وقال إيفو دالدر، سفير الولايات المتحدة السابق لدى حلف شمال الأطلسي والرئيس التنفيذي لمجلس شيكاغو للشؤون العالمية: «أعتقد أن هناك وعياً كبيراً بأن موقف الولايات المتحدة تجاه الحرب أضر بمكانتها على المستوى الدولي».
وأضاف دالدر، المقرّب من كبار المسؤولين في الإدارة، أنه حتى الآن، ينظر بايدن إلى دعمه لإسرائيل كمبدأ عميق الجذور. لكن الحقيقة هي أن نتنياهو استفزه كثيراً لدرجة أنه قد يتغير في النهاية.
ومن جهته، قال بيرني: «ما يحدث في غزة لا يوصف. لكن كل ما أطلبه هو ألا نجعل الوضع الرهيب أسوأ. إذا فاز ترمب بالانتخابات فإنه سيكون أسوأ في هذه القضية، ناهيك عن القضايا الأخرى».
وقدّم ترمب نفسه في بداية الحرب على أنه من أشد المدافعين عن الدولة العبرية. لكن بعد ستة أشهر ومقتل أكثر من 33 ألف شخص في غزة، أصبح المرشح الجمهوري إلى البيت الأبيض يتّبع نهجاً أكثر غموضاً في تعبيره عن حجم هذا الدعم.
واكتفى الرئيس الأميركي السابق المعروف بعدم تردده في التعبير عن رأيه بوضوح في أي موضوع، بالتعليق بفتور على قضية حرب غزة في مقابلتين أجريتا معه مؤخراً.
وقال للمذيع المحافظ هيو هيويت يوم الخميس الماضي تعليقاً على العملية الإسرائيلية في القطاع الفلسطيني: «لست متأكداً من أن الطريقة التي يتعاملون بها مع الأمر تعجبني».
وحذّر ترمب في مقابلة أجرتها معه وسائل إعلام إسرائيلية من أن التسجيلات المصوّرة التي تظهر «قنابل يتم إلقاؤها على أبنية في غزة» تعكس «صورة سيئة جداً أمام العالم».