
كتب محمد المنشاوي في “الجزيرة نت”: مثلت محاولة اغتيال نانسي بيلوسي قبل أيام آخر حلقات مسلسل لا يتوقف من العنف السياسي على مدار التاريخ الأميركي، والذي وصل إلى ذروته في هجمات السادس من كانون الثاني 2021 على مبنى الكابيتول، في محاولة لوقف التصديق على الانتخابات الرئاسية التي فاز بها جو بايدن وخسرها دونالد ترامب.
للولايات المتحدة تاريخ طويل من الاغتيالات السياسية يخشى الكثيرين من إحيائه مجددا، ولم تتوقف هذه الظاهرة خلال معظم حقب التاريخ الأميركي، وراح ضحية هذه الاغتيالات 4 رؤساء، أولهم أبراهام لينكولن، وآخرهم جون كينيدي، إضافة إلى عدد من الوزراء وعدد من أهم زعماء حركة الحقوق المدنية من السود.
اغتيل الرئيس الـ16 لأميركا أبراهام لينكولن عام 1865، وكان أول رئيس أميركي يغتال في ما تعد أشهر حادثة اغتيال في التاريخ الأميركي كذلك، وتساءل كثيرون إذا ما كان هناك نوع من المؤامرة وراء الاغتيال التي لم تكن سرا بين من نظروا إلى الرئيس لينكولن كمصدر تهديد لهم.
وكان جيمس جارفيلد الرئيس الـ20 لأميركا ثاني رئيس يتم اغتياله عام 1881 في محطة السكك الحديدية بواشنطن عن طريق المحامي كارلوس جيتو الذي كان غاضبا بعد أن رفض طلب تعيينه سفيرا للولايات المتحدة في فرنسا.
بعد ذلك اغتيل الرئيس الـ25 وليام ماكينلي عام 1901 عندما أطلق الفوضوي ليون كازلجوسز الرصاص عليه أثناء تحيته لمؤيديه في حفل استقبال بمعرض لدول أميركا اللاتينية، وكان الرئيس الـ35 جون كينيدي آخر من اغتيل من الرؤساء عام 1963.
لم تشهد أميركا اغتيالا سياسيا مهما منذ المحاولة الفاشلة لاغتيال الرئيس رونالد ريغان عام 1981، ويخشى الكثيرون من تبعات تصاعد تيار اليمين الشعبوي بما لديه من مليشيات وأسلحة كما شهد العالم أثناء عملية اقتحام مبنى الكابيتول في السادس من كانون الثاني من العام الماضي.
أما اغتيال الزعيم التاريخي لحركة الحقوق المدنية مارتن لوثر كينغ فجاء بعدما أُطلق عليه الرصاص أثناء وقوفه في شرفة حجرته بفندق صغير في مدينة ممفيس بولاية تينيسي في الرابع من نيسان 1968.
ويشهد المجتمع الأميركي اليوم حالة غضب وإحباط كبيرين لدى فئات واسعة يمينية تملك السلاح كحق ضمنه الدستور للمواطنين الأميركيين، ويؤمن هؤلاء بأن هناك مؤامرات على سكان أميركا من البيض ومبادئها المسيحية منذ بدايات القرن الـ20، وأن هناك جهات تعمل بلا توقف على تغيير طبيعة “وطنهم الأميركي” بالسماح بالهجرة غير المحدودة وتغيير النسق الأخلاقي للبلاد بدعم المتحولين جنسيا والمثليين، وتشجيع الإجهاض، ومهاجمة العقيدة المسيحية.
ومع توقع انخفاض نسبة السكان البيض المسيحيين من إجمالي عدد الأميركيين ليصبح أقل من 50% بحلول عام 2050 -كما تشير أرقام مكتب التعداد الفدرالي- لا يمكن أن نتوقع سوى ازدياد غضب المتطرفين من أنصار سمو العرق الأبيض وتسهيل تجنيد المزيد من أنصارهم.
ويرى بعض الخبراء أنه من الصعب التحكم في وتيرة العنف السياسي بسبب بعض القيود الدستورية التي تعرقل عمل سلطات إنفاذ القانون، خاصة في ما يتعلق بحرية التعبير، والترويج لنظريات المؤامرة، وحق المواطن في الحصول على أسلحة نارية.
ومنح التعديل الدستوري الأول للمواطنين الأميركيين “حرية العبادة والكلام والصحافة وحق الاجتماع”، وحظر على الكونغرس إصدار أي قانون يحد من هذه الحقوق، في الوقت الذي حمى فيه التعديل الثاني حق اقتناء الأسلحة وتشكيل مليشيا محلية.
وتُصعّب هذه التعديلات من قدرة السلطات الأميركية على وقف نشر أشخاص أخبارا زائفة على شبكات التواصل الاجتماعي، منها الكثير عن نظريات المؤامرة، في الوقت الذي لا تملك فيه أي سلطات لمنع هؤلاء الأشخاص أنفسهم من الحصول على أسلحة نارية متقدمة، ولا يتركنا كل ما سبق إلا لنتوقع سيناريوهات متشائمة بالمزيد من العنف في الحياة السياسية الأميركية.




