من مدير ملهى ليلي إلى رئيس لفترة ثانية في السلفادور!
كتبت عبير الفقيه في الجزيرة.
كما كان مُتوقعًا، وفي سابقة تاريخيّة لم تشهدها السلفادور من قبلُ، حسم رئيسُها الحالي، ذو الأصول الفلسطينيّة نجيب بوكيلة، نتيجة السباق الانتخابي الرئاسي والتشريعي في بلاده بفوز ساحق تجاوز 85%، وسجّل حزبه الفتيّ “أفكار جديدة”، نتيجةً مدوية، حيث تجاوز 90% من مقاعد البرلمان.
ورغم أن هذه النسب تُذكرنا بنتائج الانتخابات الفاقدة للنزاهة، فإن المراقبين الدوليين لم يسجلوا أيَّ إخلالات تُذكر في عملية الاقتراع، وهو ما جعل الرئيس بوكيلة ينتشي بوصفها: “سابقة في تاريخ ديمقراطيات العالم”!
أكّدت النتيجة – بما لا يدَعُ مجالًا للشك – أن رهان الرئيس بوكيلة، المتمثل في تحقيق الأمن للسلفادوريين، مهما كان الأسلوب، كان الورقة الرابحة التي ضمنت فوزه بفترة رئاسية ثانية، وتحوّل بها إلى “مدرسة حُكم” في عيون السواد الأعظم من باقي الشعوب اللاتينية التي استبدت بها وبحكوماتها، بلطجة عصابات المخدِّرات والجريمة المنظمة.
دكتاتور الأجيال الصاعدة
لكنّه “ظاهرة” تختلط فيها الشعبوية بالدكتاتورية، في نظر منتقديه من النخب والحقوقيين داخل السلفادور وخارجها. وهو “الدكتاتور الأروع” كما قدّم نفسه، في بداية حربه على العصابات، و”دكتاتور الأجيال الصاعدة”، كما وصفته الصحافة الإسبانية.
في الحقيقة، يعتبر الرئيس بوكيلة على المستوى الشخصي والسياسي، حالة مثيرة للمتابعة، أقلّ ما يقال عنها أنها أسست لفكرة “النجومية السياسية”، من خارج القطبية الحزبية التي حكمت السلفادور لمدة 30 سنة متواصلة قبل تولّيه الرئاسة في 2019، وبعيدًا عن الوصاية الأميركية الظاهرة، على بلدان القارّة.
وهو تحدٍّ، حقّقه خلال مسيرة سياسية فائقة السرعة، ومثّل صفعة تاريخية لحزب الجبهة الوطنية للتحرير الوطني، الذي بدأ معه مشواره السياسي في 2012، ورفض تزكيته للترشح باسمه لانتخابات 2018 الرئاسية؛ استهانة بقدراته، ما دفعه وقتها لتأسيس حزبه الحالي “أفكار جديدة”.
ولم يغفر الرئيس بوكيلة بعدها، تلك الاستهانة من حزب الجبهة، وحافظ على معارضته للخَصم اليميني “أرينا”، ليردّ الصفعة ثانية من خلال حصول حزبه على 56% من مقاعد برلمان 2021، وها هو اليوم يقترب من التهام جميع المقاعد في انتخابات الأحد الماضي.
تجدر الإشارة إلى أن فترة الرئاسة في السلفادور تمتد على خمس سنوات، أما الفترة البرلمانية، فتمتد على أربع سنوات. زيادة على ذلك، قام الرئيس بوكيلة بتقليص تركيبة البرلمان من 84 مقعدًا إلى 60 هذه المرة.
من جهة أخرى، تتوقّع استطلاعات الرأي، فوزًا كاسحًا لحزب الرئيس بوكيلة في الانتخابات البلدية التي ستُجرى بعد أربعة أسابيع من الآن، والتي قام الرئيس أيضًا بتعديلات جذرية في تركيبتها، وهو ما وصفته المعارضة بأنها تعديلات خبيثة، تنطلق من إعادة توزيع جغرافي، مدروس بعناية يضمن فوز حزب “أفكار جديدة” بأغلبية البلديات.
أزمات اقتصادية
يعتبر منتقدو الرئيس بوكيلة أنّ حربَه على عصابات المخدِّرات والجريمة المنظمة، واحتجازَ أكثر من 70 ألفًا من عناصرها، وبناءَه أكبر سجن في القارَّة الأميركية بإمكانات مراقبة تقنية عالية الجودة، ويتسع لأربعين ألف سجين، هي مجرد “إستراتيجية شعبوية” اتّبعها الرئيس بوكيلة بعد إمساكه بزمام منصب الرئاسة واطمئنانه على مقاعد حزبه في البرلمان في أواخر 2021.
غير أن أهدافه البعيدة لم تكن تقتصر على القضاء على العصابات، بشكل أساسي، وإنما وعيه بأن ذلك هو الطريق الأضمن للترشح لولاية ثانية.
يقول موقع “إل فارو” المعارض: إن مدّة الشعور بالفرحة لدى 7 ملايين سلفادوري، ارتاحوا من شبح القتل العشوائي والابتزاز والترويع الذي كانت تمارسه عليهم العصابات، يمكن أن تمتد سنتين على أقصى تقدير، وهو ما خطط له الرئيس بوكيلة.
بعدها ستحضر بشكل مُلحّ المسألة الاقتصادية، ومشاكل البطالة والصحة والتعليم، لكن الرئيس بوكيلة سيكون حينها في ولايته الثانية، ولن يأبه بمدى نجاحه في حلّها، لأنه لم يُظهر أيّ مؤشرات بشأنها في فترته الأولى.
زيادة على أن مغامرة البيتكوين التي اعتمدها، كعملة موازية للسلفادور بمجرد توليه الرئاسة في 2019، تسبّبت في خَسارة فادحة للبلاد، مع انهيار قيمة العملة الرقْمية عالميًا في 2022.
حملة مصطنعة
على صعيد آخر، يشكك بعض المنتقدين أيضًا في أن الحرب على العصابات، كانت عبارة على حملة بوليسية تمّ تضخيمُها، لإشباع تعطّش السواد الأعظم من الشعب إلى الانتقام من العصابات.
فقد بثّت القناة الحكومية الإسبانية تقريرًا منذ ستة أشهر، حصلت من خلاله على شهادة لشرطي سلفادوري، اعترف بأنّ الحكومة تُجبر كل فريق على اعتقال عشرة عناصر من العصابات، يوميًا، وإن لم ينفذوا المهمة فإنهم مطالبون بالقبض على أي مشتبه، فقط بهدف تحقيق المعدل.
وهذا ما يعزّز رواية منظمات حقوقية عديدة وعائلات كثيرة في السلفادور، اتهمت الحكومة بالقبض على أبنائهم – بالباطل – رغم أنهم لم ينتموا يومًا إلى العصابات.
وترى المنظمات الحقوقية والمعارضة، أن الرئيس بوكيلة ينتهج هذا الأسلوب للتغطية على تجاوزاته على الديمقراطية في البلاد، وسعيه للاستئثار بجميع السلطات، وخنق المعارضة.
ويرى كل منتقديه أن إقالته للمدعي العام منذ أربع سنوات وتدخله في تعيين أغلبية جديدة حليفة من قضاة المحكمة الدستورية، ثم إحداث ثغرة في الدستور مكّنته من الترشح لولاية ثانية، هي أوضح الدلائل على نهجه الدكتاتوري، وما زال البعض يعتبر أن فوزه الأخير باطلًا؛ لأن القانون السلفادوري لا يسمح بفترتين رئاسيتين على التوالي، وأن الثغرة مفتعلة.
لا عصابات ولا ديمقراطية
في الحقيقة، تتميز شخصية الرئيس بوكيلة بخاصيات، خوّلت لها هذا الإشعاع، برغم الانتقادات. فالشاب ذو الأصول الفلسطينية هو خامس أبناء رجل الأعمال والمهندس الراحل أرماندو بوكيلة، الذي كان يفتخر في حياته بأن معدل ذكائه العلمي يفوق ذكاء أنشتاين، وتتداول الصحافة السلفادورية أن “الكاريزما” والذكاء هما صفتان متوفرتان لدى جميع أفراد عائلة بوكيلة.
ويبدو أن هذا ما ساعد الرئيس بوكيلة في تسلّق سُلّم النجاح والشهرة بسرعة فائقة. حيث عُرف عنه أن أول منصب تنفيذي تقلده، كان إدارة ملهى ليلي، أسس بعدها شركة دعاية ضخمة، ثم انطلق في مشواره السياسي في 2012 بعمادة بلدية قريبة من العاصمة، بعدها فاز بعمادة العاصمة، ثم أفصح عن نيته في الترشح للرئاسة، ونالها. وقد كان طوال المسيرة واثقًا من طموحاته، بشهادة حلفائه وخصومه.
في الوقت الذي تلخّص فيه المعارضة مرحلة الرئيس بوكيلة بعنوان: “لا عصابات ولا ديمقراطية”، وتعتبر أن الرئيس لا ينوي إنهاء قانون الطوارئ الذي فرضه منذ مارس/ آذار 2022.
أثبت أغلب المجتمع السلفادوري أنه محتاج للأمان قبل الشغل والديمقراطية، حتى وإن طال سوط الحكومة أبرياء بالخطأ.